طرقات لم تعد قدمي تراها
وبراح ضاق برحيلك
أقترب من المرآة بشدة حتى يكاد أنفي الصغير يلتصق بها. أرى تجاعيد رفيعة تنحني انحناءات ضحكتي. جلد الجفن الذي بدأت رقته تُظهر العروق الهزيلة الزرقاء. لم يعد يدهشني غدر الجسد بصاحبه بعد ان مات محمد. كانت الحياة تبدو حينذاك عندما كنا أطفالا نلوح لبعضنا من الشرفات كحلم ليلة صيف، دافئ ومضيئ. كان وسيما أجمل من كل شباب الحي ويسكن قبالتي. عرف كل الشارع أننا نتبادل الرسائل بأعيننا من وراء الشبابيك وعرف أبي. حاول ان يمنعني ولكنه دائم الفشل في ذلك معي. مات محمد ولم تبق غير سيارته، كلما نظرت من خلف شباك آراها. كم تعرقت يده وهو متعلق بالطارة؟ كم سرى الدفء في كراسيها من ثقل جسده؟ كان يصف لي كم يتطابق شكل "قفاه" مع "قفا" أبيه الناظر بالمدرسة، تضايقت حينها من السذاجة وذلك الابتذال وبدأت العلاقة تترنح انطلاقا من هذه النقطة. الآن رحلا "القفيان" دون ان أعطي فرصة أخيرة لنفسي للتحقق من هذا التطابق. كيف يرحل شخص ما مبكرا بعد ان لاحت له الحياة بكل هذا الود ؟ كيف يرحل ويترك أشياؤه هكذا تؤرق المحيطيين؟ لو نستطيع نبني أهراما صغيرة لكل راحل وندفن معه ذكرياته ونظراته وعدد أنفاسه الذي تنفسها بالقرب من مسامعنا لأرتاح الخلق أجمعين.
لا أخاف من تلك التجاعيد الرفيعة. ولا أخاف من خصلات الشعر الأبيض التي ذهبت عنها صبغتها اللونية مبكرا وأظني سأتوقف عن صبغها قريبا. لطالما كنت ازداد جمالا كلما زاد عمري سنة. حتى اني اتخيل اني سأصل للجمال الكامل وأنا على فراش الموت عجوز بهية تُقسم إنها عاشت رغم كل هذه القسوة والتعاسة. رغم كل هذا الرحيل الباكر والموت الؤكد والقبور الباردة بدون أنفاس تُدفئها.
No comments:
Post a Comment