Wednesday, March 27, 2013

Beyond the Great Indoors

عرض سريع لرواية إيلين للكاتب النرويجي Ingvar Ambjrnsen والتي تم نقلها إلى الإنجليزية تحت إسم "ما وراء الأبواب العظيمة" بواسطة المترجم الإنجليزي Don Bartlett والمترجمة Kari Dickson الاسكتلندية الأب ونرويجية الأم.
تحكي الرواية عن ايلين المصاب بمرض التوحد والذي كان يعيش بصحبة والدته ثم توفت تاركة إياه بدون خبرة في الحياة. ينتقل ايلين بعد وفاتها الى دار رعاية وهناك يقوموا بتأهيله ليستطيع التكيف مع المجتمع. في هذه الدار يعرف ايلين صديقه فيما بعد كجيل باجرني الذي يعاني من إعاقة ذهنية. بعد انتهاء فترة التأهيل يخرجا سويا للعالم تحت إشراف الدار التي تمنحهم شقة صغيرة ومرتب شهري يساعدهم في بدء حياة طبيعية.
يعيش ايلين وكجيل في العاصمة أوسلو بمخبأهم دون محاولات جدية للاندماج في المجتمع والتعرف على الجيران. يحاول فرانك المشرف النفسي المسئول عنهم حثهم على الخروج وشراء احتياجاتهم والذهاب للسينما ولكنهم في البداية يجدوا صعوبة في ذلك. ايلين لا يخرج غير في صحبة فرانك وكجيل، اما الأخير لا يخرج سوى لشراء احتياجاتهم من الطعام ويقضي يومه في المطبخ الذي يحبه ليصنع الطعام.
بمرور الوقت يستطيعان الاندماج بسهولة اكثر. في إحدى الايام عند عودتهم من مطعم حيث تناولوا العشاء، سمعا ضجة على سلم مسكنهم. في البداية كان الخوف هو الشعور المسيطر ولكن تحمس كجيل وأخذه فضوله للجري لأعلى ليرى بنفسه ما يجري. وقد كانت سيدة شابة ثملة وتائه على درجات السلالم. فيحملها كجيل حيث شقتها ويصاحبه ايلين ثم يصمم كجيل ان يبقى معاها حتى تفيق من اغماءتها بينما يهلع ايلين من فكرة تواجدهما في شقة مجاورة غريبة. كل ما يفكر به ان دار الرعاية سوف تسحب منهم الثقة والشقة وتجبرهم على العودة الى هناك. دائما ما كان ايلين يفكر بخوف في اي غلطة قد يقترفها وتكون سبب للعودة مرة أخرى الى حيث لا يريد.
وبالفعل يبقى كجيل بجوار السيدة ويعود ايلين لشقتهما بالدور السفلي ساخطا. وبعد احداث قليلة يقعا كجيل والسيدة الشابة في الحب سويا ويتضح لنا ان السيدة، رايدن، حامل من إثر علاقة سابقة بشاب اسباني. ولكن كجيل لا يكترث لذلك ويبدأ في الاهتمام بها والتقرب منها. يشعر ايلين بالغيرة احيانا من جراء هذه العلاقة ولكنه يكتشف بالصدفة انه قادر على كتابة الشعر ويبكي متأثرا بهذا الاكتشاف فينشغل عنهم بموهبته الجديدة.
في إحدى الأيام تدعو رايدن كلاهما على الغداء ولكن ايلين يشعر بإنه غريب ولا يقبل الدعوة متحججا بأنه لديه اجتماع مهم في نفس اليوم. ويبدأ يبحث في الجرائد عن مناسبة ما ليخرج إليها ولا يبدو كاذبا امام كجيل فيرى اعلان عن أمسية شعرية في إحدى المقاهي الراقية ويدرك انها أفضل ملاذ له بعد اكتشاف موهبته في الشعر.
هناك يتبادل الحديث مع احد الضيوف، وقد تقابلا سويا قبل ذلك اليوم في إحدى المطاعم. لا تعجبهم الأمسية كثيرا فيقررا الخروج لتقضية المساء في مقهى آخر وتناول بعض العصائر. بعد هذه الليلة يصبح ايلين صديقا لألفونس العجوز والذي نعرف بعد ذلك من فرانك انه شاعر نُشر له دواويين شعريين في فترة السيتينيات وقد أثرا في حركة الشعر في ذلك الوقت وتم تدريس بعض قصائده في الجامعة ثم توقف وانسحب فجأة من المشهد الثقافي ولم يعد أحد يعرف عنه شيئا.
في أحد الليالي يصاب ألفونس بكدمة في قدميه تمنعه من الحركة فيتصل بإيلين ليأتي لانقاذه. فيذهب كجيل بصحبته ويحمله الأول الى المستشفى لتلقي الاسعافات اللازمة. وتتكرر الزيارات لبيته وبصحبتهم رايدن ايضا. يعرف كجيل ان ألفونس يملك سيارة امريكية قديمة الطراز وتقبع في المرأب لعطل ما لم يتعرف عليه أحد بعد، فيتطوع لاصلاحها. ويعده ألفونس بأنه لو استطاع اصلاحها بانه سيصطحبهم جميعا في رحلة الى الشاطئ حيث كابينة مملوكة له هناك.
وبالفعل يستطيع كجيل اصلاح السيارة ويذهبوا جميعا الى الرحلة الموعودة بعد استشارة فرانك واستئذانه. هناك في الكابينة تقرر رايدن النوم في حجرة كجيل، فلا يتبقى لإيلين سوى مشاركة ألفونس غرفته. يغضب ايلين بشدة ويخبر كجيل بأن اقدامه على اي علاقة جنسية مع رايدن وهي في أواخر شهور الحمل بالتأكيد سيؤذي الطفل ومن الممكن ان يموت. ويفكر بإخبار فرانك عن هذه الجريمة. وتمر الليلة في قلق وترقب، وعندما يذهب ايلين للتمشية على الشاطئ، يتبعه كجيل بإحساس عميق بالذنب ويخبره انه لا يريد إيذاء او جرح أحد ويطلب منه سرواله التحتي لأن خاصته غير نظيف. وهنا يجن جنون ايلين ويتهمه بالخنزير الحقير لأنه لا يهتم بنظافته الشخصية ابدا.
ويعطيه ايلين سرواله التحتي ويرفض ارتداء سروال كجيل بل يشعر بالراحة لدفنه في الرمال حتى لا يراه احد. ويهرول الاخير للعودة للكابينة بينما يبقى ايلين على الشاطئ لساعتين متتاليين. عندما يعود يطمئن قلبه لإيجاد الجميع نيام ولكن بعد برهة يسمع انين رايدن. في البداية يفكر في انه آلام المخاض ثم يسمع صوت قهقهه خافتة فيفهم انهم يقيمون علاقة. فيتجهم ويفكر انه لا يريد ان يسترد سرواله التحتي من كجيل بل انه لا يريد ان يرى ذلك السروال مرة أخرى أبدا.
في نهاية الرواية تلد رايدن طفلة جميلة ويحتفل ايلين وكجيل بمولدها احتفالا صاخبا في إحدى البارات ويشربوا الخمور لأول مرة في حياتهم فيثملوا بشدة ولا يتذكرون شيئا عن نهاية ذلك اليوم او كيف عادوا الى منزلهم. يشعر ايلين ان هذا هو النهاية وان بمجرد ان يعرف فرانك بأمر ثمالتهم وترنحهم في الشوارع بعد منتصف الليل سيعيدهم مرة أخرى الى دار الرعاية. ولكن فرانك يضحك بصوت عال ويطمئنه ان هذا طبيعي لأنهم مازالوا في بداية الانخراط في المجتمع والخروج للعالم الحقيقي وان الخطأ وارد بشدة في مثل تلك الحالات.
ورغم ان ايلين قد منع الجميع من التحدث مع ألفونس في أمر توقفه عن الشعر او حتى يذكر امامه انهم عرفوا حقيقة شخصيته إلا انه لم يتمالك نفسه عن سؤاله لماذا توقف فيجيبه ألفونس "لقد قلت ما عليه قوله ثم شعرت بالضجر، اعتقدت ان الاخرون ربما لديهم ما هو أكثر لقوله".
الرواية بديعة كتبت على لسان ايلين. تهتم بالتفاصيل والامور الحياتية من وجهة نظر معاق ذهنيا وهذا يبدو لي أمر مختلف عن كل ما قرأته عن تلك الفئة من البشر. لم أقرأ رواية بصوت راوي معاق سوى رواية ويليام فوكنر "الصخب والعنف" الذي جعل بطله بنجامين المصاب بالتوحد ايضا يروي إحدى فصول الرواية. كان تصور فوكنر عن المتوحدون أنهم محدودي الذكاء، أغبياء وحمقى. ولكن الكاتب هنا أثرى شخصية ايلين بقوة الملاحظة ومحاولته لتفسير كل شئ والإلمام بكل ما يمر به من تفاصيل وإبداء رأيه في إحدى الافلام السينمائية مثلا او في العلاقات الجنسية والأنسانية بين البشر، كل هذا اعطى بعدا آخر لشخصية المعاق ذهنيا. وكم نحن نحتاج هذا في وطننا العربي الذي لا يفرق بين المرض النفسي والجنون ووصمهم بالعار. كما انه اضفى عليه ذكاءا ملموسا نجده في محاولة ايلين نشر شعره بطرق مبتكرة مثل نحت شعره على ابواب الحمامات او وضع قصيدة في ورقة صغيرة داخل علبة مخلل وإعادة قفلها كما لم تلمس من قبل وإعادتها للبائع ليعيد بيعها بدوره وبذلك ينتشر شعره ويكون حديث المدينة.
تم تحويل الرواية إلى فيلم بعنوان Elling وحاز على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام 2001.

ولد الكاتب إنجفار في عام 1956 وهو من أشهر الكُتاب الرنويجيين  المعاصريين وأكثرهم تأثيرا. وحاز على عدة جوائز لأعماله الأدبية المتنوعة ما بين أدب الطفل والأدب الكوميدي الإنساني.


ظل أسود وحيد في الليل


كان يوم طويل مرهق كالمعتاد، بالكاد حملت جسدي الى السرير في الغرفة الشرقية الدافئة في مثل هذا الوقت من العام. تأملت السقف مليا في ضجر وانا أتذكر ما حدث اليوم. سرقتان في يوم واحد لمنازل اصدقائي، أين نحن من هذا العالم؟ نعم نحن البائسون المطالبون بتحقيق أمننا بذراعنا. بدأت أفكر مؤخرا في امتلاك سلاح ولكني لا اعرف كيفية الامساك به. أتذكر يوم حين مسكت طبنجة جدي سرت قشعريرة فوق سلسة ظهري وجعلتني انتفض من برودة قطعة الحديد هذه
أغمضت عيني في محاولة لإستجداء النوم ولكني فكرت سريعا، هل أغلقت باب الشقة بالمفتاح؟. من المفترض أن أحمل جسدي مرة أخرى للباب لأتأكد ولكني لن أفعل وليذهب العالم للجحيم.
كدت أن أغفو ولكني أرهفت السمع قليلا. أعتقد إني أسمع صوتا قادما من الردهة. لا فائدة، يبدو إني سأنهض من على السرير مجددا وأمرى إلى الله. تحسست طريقي على أطراف أصابعي دون إحداث أي جلبة حتى أستكشف من هناك. أزحت الستارة برفق والضوء الأزرق البارد الذي استخدمه مؤخرا في إضاءة الردهة يتسلل بهدوء لمخدعي. هذا الضوء يجعل يدي تبدو باهتة ولابد ان السارق سينهار عندما يراني بهيئتي الضخمة وشعري الطويل المنفوش فوق رأسي. سيحسبني زومبي صاعد للتو من مقبرة ما من أطراف المدينة. يجب ان اضع لمبة زرقاء في صغيرة في مدخل العمارة أيضا.
يبدو لي ان كل شئ على ما يرام وأن السارق لم يقرر بعد أن يغزو بيتي. جلست فوق الأريكة ألتقط انفاسي وقد طار النوم ورفرف مبتعدا. كيف سأقضي ليلتي؟. نظرت مرة أخرى للسقف متأملا. من السخافة ان نصدق ان الأدباء والشعراء يستلهمون أفكارهم بالنظر للسقف، إن السقف ممل ويشعرني بضيق العالم وضحالته.
ماذا أفعل الآن؟ هل أطارد الناموسة التي أرقتني بالأمس أم أنظف الحوض من آثار العشاء؟ اعتقد إني سأطل قليلا من الشرفة لأقرر. انا أحب شرفة منزلي. إنها تطل على ميدان صغير يتوسط الحي الذي أقطنه، في وسط الميدان نافورة صغيرة لا تعمل. أنا أول من طالبت بإنشائها. جلست على ذلك المقهى المقابل لمنزلي وقلت بصوت عال لعم حنفي: "وإحنا ليه ما نعملش في الوسط هنا نافورة  ترطب الجو في الصيف؟" لم ينتظر عطيه حتى أُكمل جملتي وإنطلق يتحدث مع رؤساء الحي هنا وهناك ويجمع التبرعات ويناشد ويطالب حتى حصل على ما يريد. عطيه يكرهني وانا أعلم ذلك، وأحركه من خلال كرهه لي. فقط أضع بذرة شئ ما ويقوم هو  بري البذرة ورعايتها حتى تكبر ثم أحصد أنا وأستمتع. غير مهم أبدا ان يُقال أن عطيه هو من سعى لإنشاء هذه النافورة، المهم هو راحتى الشخصية وأنا أجلس على القهوة في الصيف اللعين وأستمتع بطراوة الهواء المعبق بماء ندي يأتي من ناحيتها. فليهنأ عطيه بتركته وأهنأ أنا بلذاتي السرية الصغيرة.
النافورة حاليا لا تعمل لأن عطيه لم يعد يكترث لها بعد أن توقف عن الجلوس على المقهى لخلاف بينه وبين الأسطى حنفي صاحبها. فتوقفت الرشاوى عن الحي وتوقفت النافورة معهم بدورها. لذلك لابد ان أبذل قليل من الجهد لإعادة عطية للمقهى وإنهاء الخلاف بينهم.
إنه الواجب بالطبع. الليل جميل، تنهدت، وجلست القرفصاء أتأمل السماء في صمت من شرفتي بالدور السادس، منها وفي هذا الليل الرائق ، أستطيع أن ألمس السماء.
بعد برهة سمعت أصوات قادمة من الشارع المقابل. أرهفت السمع مرة أخرى، كان بإستطاعتي أن أكون جاسوسا درجة أولى لو أعطاني أحدهم الفرصة. ولكنه حظ عوالم بالطبع كما نعرف جميعا. أعتقد أن المتكلم هو حامد إبن عطيه الأكبر. حامد من الشخصيات التي يمكنك ان تعتبرها حمقاء، خرقاء، عجفاء.. ولكنه يستطيع أن يخطط للجريمة الكاملة وهو مستغرق في قيلولته. أسمعه الآن يقول بصوته الجهوري "إحنا هانروح دلوقتي نخَلَص". يبدو إنه يتحدث في التليفون لأني لا استطيع رؤية أحد معه. إلى أين سيذهب حامد ليُخَلِص في هذه الليلة الساحرة؟. على أبيه عطية أن يزوجه سريعا حتى يهدأ في مثل هذه الليالي داخل حضن إحداهن ويتوقف عن إجرامه.
لن يتركني ضميري أنام لما يزيد عن يومين إذا تركته ينفذ جريمة جديدة الليلة، وهذا ما لن استطع إحتماله. لأنك لا تعرف حامد ستتعجب من قراري بالنزول إلى الشارع ومراقبته. من حقك طبعا التعجب ولكن ليس من حقك أن تستنكر قراري وأنت تعرف من ما ذكرته مسبقا إننا بصدد سرقتين في يوم واحد. حامد يمكنه سرقة ملابسك الداخلية التي ترتديها وانت نائم في سريرك مطمئنا بينما هو يتبول في حمام بيتهم.
دخلت مسرعا إلى غرفتي وأرتديت معطفي الأسود الذي يجعلني ضخم الجثة، عريض المنكبين كمجرم سابق. وضعت الكشاف الصغير وسكينة صغيرة في جيبي الشمال ومنديل قماش في جيبي اليمين لأني أعاني من زكام مفاجئ هذه الأيام. وارتديت حذائي وأغلقت بابي بإحكام.
على السلم توقفت برهة لأرى إذا كان حامد مازال في الشارع أم ذهب. أنا أعرف أماكن تجمع هؤلاء الأوغاد جيدا. طالما سمعته يتحدث عنهم ولكني لم أكترث لملاحقته لأن في تلك الأيام لم أسمع عن سرقتين في آن واحد. ولكن ما حدث يعد كثيرا على أعصابي المرهقة ولن أسمح له  بالمزيد بعد الآن.
الصمت يخيم على الميدان الصغير ولا أثر لحامد. قطة صغيرة تعبث بكيس بلاستيكي أسود، تعتقد أن ما به من قمامة ربما تحتوي على طعام لها. أسفت لها بشدة وندمت لأني لم أحمل معي بعض فتات الخبز لأطعم القطط رفقاء الدرب دوما. ولكني وعدتها بصوت خفيض بأني سأطعمها الرز الأبيض بالزبيب إذا انتظرت عودتي هنا امام باب العمارة. وإنطلقت بخفة لا تناسب حجمي إلى ما وراء أسوار الجريمة . إلى حامد.
خطواتي ثقيلة ثابتة متشبثة بالأرض  وكأن كائن بحجمي هذا في استطاعته ان يحلق بعيدا اذا ترك نفسه. يدي في جيوبي طلبا للتدفئة، وجدت قلم رصاص صغير ففكرت ان اكتب على حوائط البيوت في اتجاه سيري  جمل قصيرة لترشد أهل الحي إلى السارق المجرم. فكتبت على حائط بيت قصير بآخر الميدان "هنا سرق حامد" ثم مشيت منتشيا وتخيلت كم أن الجميع سيرى غدا الجملة ويعرف ان حامد لص خطير. ولكني انتبهت أني لم أضع التشكيل فوق سرق، فيمكن الفهم ان حامد تم سرقته هنا ويصبح في لمح البصر ضحية. أمتعضت وهرشت رأسي الكبير، لا وقت لدي للعودة للميدان وتصحيح الخطأ. حسنا سأكتب هنا على ذلك البيت على يساري "هنا سَرَقَ حامد" وأكملت السير بهدوء ويدي في جيوبي مرة أخرى.
أنعطفت يسارا رغم أني أفضل اليمين دوما "اللهم أجعلنا من أهل اليمين". حامد يجلس الآن مع مجموعته في مقهى حقير في طريق ملئ بانحناءات في اتجاه اليسار وهكذا أعرف حكمة الله في في أمرنا بالتيمن. "الله يجازيك يا حامد.. حتى طرقك كلها شمال" همست لنفسي وأنا أنظر في الأرض متعجبا.
الشارع مظلم وطويل على يميني زريبة صغيرة يضع بها عم أحمد ماشيتين يعانوا من ما يبدو لي أنيميا ولكنهم مازالوا يدروا اللبن بوفرة ويغشه الرجل بوضع نشا وماء به. كل الحي يعرف ذلك ومع ذلك كلهم يشتروا منه بلا مناقشات. عم أحمد رجل داهية كان يملك سيارة أجرة صغيرة، كل يوم يرتدي ملابس العمل ويقبل يد زوجته على السلم ثم يأتي ليجلس معنا في المقهى وبعد عدة ساعات يفتح كابوت السيارة ويضع الزيت فوق  ملابسه بواسطة الذراع المعدني المخصص لقياس الزيت ويشحم يديه ثم يعود إلى البيت مغموما ويظل يحكي طوال الليل لزوجته كيف ان السيارة توقفت فوق كوبري أكتوبر لساعات وهو يحاول إصلاحها دون جدوى. لديه دائما وافر من الحكايات التي لا تنضب، كان يحكي لها عن وقفته وحيدا حائرا فوق الكوبري. وكيف أنه بمجرد جلوسه منحنيا ليغير عجلة السيارة تأتي سيارة مسرعة تجبره على الوقوف سريعا ثم يكرر جلوسه مرة أخرى فتأتي غيرها مسرعة فيقف مسرعا، وهكذا دواليك، حتى أن سيارة حمراء كادت ان تطيح بمؤخرته العزيزة. وهكذا كانت تصدقه زوجته وتبيع أقراطها الذهب التسعة الواحد يلو الأخر. حتى أقتنعت بعدم جدوى السيارة وقررت بيعها ومنحه الزريبة للإشراف عليها. زوجة عم أحمد من أعيان الحي وأحد إقطاعياته، تملك الزريبة وسلسلة محلات للبقالة وبيع منتجات الألبان ورثتهم عن والدها. كانت صاحبة الاقتراح بشراء السيارة الأجرة حتى يكون عم أحمد مشروع مَعَلِم مثلها صاحب سيارات أجرة كثيرة مستقبلا ولكنه خيب أملها وجعلها تبيع السيارة قبل إكتمال المشروع.

مازال الشارع طويلا، دخلت السوق الرئيسي في الحي متونسا بالمحلات الساهرة
 ومختصرا الطريق وأنا أدندن بصوتي العذب بعيد عنك حياتي عذابماليش غير الفراق أحباب ماتبعدنيش بعيد عنك
ثم سرحت قليلا.. أكان الفراق أم الدموع؟ ثم دندنت مرة أخرى في محاولة للتذكر. أعتقد أن الدموع منطقية أكثر في ترتيب الجملة ولكني في هذه اللحظة الحزينة بالذات أفضل الفراق! لماذا هي حزينة؟ لا أعرف. ولكني اعتقد أن مطاردة لص في الليل لابد أن يفعلها رجل حزين.
أتجهت يمينا متجاهلا حكمة اليسار مع الأشرار وبدأت أشعر بالوهن. فأسرعت الخطى وحاولت التوقف عن التأمل مذكرا نفسي بمهمتي وهي مراقبة حامد ومنعه من السرقة الليلة. بداخلي هاجس يقول أنه المسئول عن سرقات اليوم. وتذكرت قلمي الرصاص الصغير وأني لم أكتب شيئا  بعد عبارتي الأخيرة. كم أنا أحمق لأكتب جملة بلغة عربية فصحى وبالتشكيل أيضا في حي بائس كهذا! واتجهت لأقرب حائط وكتبت بخط كبير "هنا حامد سرقنا كلنا يا معرصين" . في إشارة لعم أحمد الذي يغش اللبن والجميع يعرف والجميع يشتري منه في نفس الوقت كما لو أن الجميع الأولى لا تعرف الجميع الأخيرة. انفصام في الشخصية جماعي يستحق اللفظ القبيح. هكذا سيتكلم الحي كله عن حامد وسرقاته المتعددة وربما يأتوا على ذكر عطية الذي يكرهني، دافع الرشوى، ملك النافورةضحكت في سري في تلذذ.
 الآن بدأت أبتعد عن الحي ولن أخفي شئ، فلقد بدأت أشعر بالخوف. ولكن قدمي مازالت ثابتة تخشى الطيران. وشعرت فجأة بالذنب من الكلمة القبيحة التي نقشتها على الحائط. ربما تراها طفلة صغيرة وتخدش حياءها. أنه حي بائس وأطفاله مشردين ما بين الألفاظ القبيحة والأفعال الأقبح باليد والجسد ولكن لا أريد أن اكون سببا في هذا المشهد. لا أريد أن أظهر به في كل الأحوال. تنهدت وقررت أن أعود لمنزلي من نفس الطريق لأزيل الكلمة وأكتب غيرها. أريد وصف غير لطيف لأهل الحي ويكون غير خارج في آن واحد. بدات أسلي نفسي بتذكر كل الكلمات التي تصلح. ما هو مرادف التعريص؟ إنه كما أفهمه التستر على مجرم وقد يصل الأمر إلى مدحه. أي أن الشخص المُعرص هو الشخص المتستر. إذن.. وإنطلقت إلى أقرب حائط وكتبت "حامد بيسرقنا كلنا يا متسترين". وشعرت براحة كما مَن كَفَرَ عن ذنبه.
أثناء سيري والصمت يخيم على المكان، سمعت صوت ورائي. لم ألتفت بسرعة كما قد يُخيل لك. كلا. ليس هذه أفعال الجواسيس القدامى. مشيت ببطء وأنا أحاول ان أنظر بهدوء من فوق ياقة المعطف إلى الوراء. لمحت ظل ضخم على مقربة مني. هذا الشارع الذي انا به خارج الحي تماما ليس به إلا مدارس إبتدائية وإعدادية والسنترال الرئيسي. أي إنها أماكن خدمية ليس بها كائن ما الآن. أنا وحيد مع الظل الأسود إذن. حسنا، أعتقد حان وقت السكين الصغير وليكن ما يكون.
تحسست سكيني فلم أجده. بدأت اتوتر، أين ذهب هذا اللعين؟ لا أثر له! أيعقل اني أخذت القلم الرصاص بدلا منه وخُيل إليِ أنه سكينا؟  إبتسمت لسخرية القدر! سلاحي اليوم هو قلمي، ويا له من سلاح!
فكرت بسرعة لأول مرة منذ أيام، ماذا أفعل؟ أتجهت إلى حائط السنترال في سرعة وكتبت "هنا عبرت إلى خارج الحي لأصارع حامد اللص ومن الممكن أن أقتل حالا". خانتني عيناي ونظرت سريعا إلى الظل الأسود، فوجدته واقف بالقرب من حائط قريب منه. تبا! ماذا يفعل؟ أيتبول؟ ربما لم يكن يمشي ورائي أبدا وصور لي وسواسي ذلك!
فمضيت في سيري إلى خلف السنترال في إتجاه اليمين. وتذكرت إني غبي ولم أضع التشكيل فوق أقتل. ربما يُقتل حامد ويكون أعترافي مُسجل على حائط السنترال. يجب ان أعود سريعا. ألتفت بسرعة لأعود ولكني وجدت صاحب الظل مازال ورائي. لو كان بحوذتي مرآه، كنت وجهت كشافي الصغير إلى جبهتي لأرى حبيبات العرق اللؤلؤية تلمع في الظلام فوقها. يا إلهي.. كم أعشق نداوتها.
ولكن لا وقت لدي لهذا التلذذ الليلي. لم أفكر كثيرا، يجب أن أبرئ نفسي من التهمة وتوجهت لأقرب حائط وكتبت.. قبل أن أكتب نظرت للظل فوجدته واقف بجانب حائط.. ماذا يفعل هذا الكائن؟ أيلعب معي؟ أيعقل أنه يكتب أني متفوه بألفاظ قبيحة قد تضر الأطفال؟ أقرأ نقش المعرصين؟ غضبت عندما وصلت لهذه الفكرة. إذا كان قد قرأها فلابد أنه قرأ نقش المتسترين الذي يليه. أنا لست أحمق حتى لا أعتذرعما بدر مني. كتبت على الحائط بغضب "لست قاتل حامد بل أنا أخشى أن أُقتل.. وأعتذر للمعرصين عن لفظي القبيح".
ما هذه الليلة الغريبة؟ ماذا فعلت بنفسي بنزولي إلى الشارع في مثل هذا الوقت؟ اللعنة على الواجب؟ ولكن لا طريق للعودة بعد ظهور هذا الظل. هل ظهر ليحثني على إتخاذ قرارات جادة بشأن حامد؟ أنا لا أعرف ماذا سأفعل عندما أصل إليه، ماذا إذا لم أجده يسرق مثلا؟ أو لم أجده يتفق على جريمة ما؟ ماذا سأقول له؟ اعتقد أني سأجلس في المقهى أشرب السحلب اللذيذ ثم أنصرف في هدوء مترقبا فرصة أخرى.
ربما الظل يقلدني؟ خاصة أنه يرتدي مثلي معطف أسود يجعله ضخم الجثة. تُرى ماذا يكتب فوق الحوائط؟ أيكتب شعرا؟ يريدها لعبة؟ إذن فلنلعب! اتجهت إلى الحائط وكتبت "الحر ممتحن بأولاد الزنا*" في إشارة إليه. وجدته يقف بجانب الحائط كالمعتاد. أبتعدت مهرولا حتى يتسنى له رؤية ما كتبت عندما يتبعني كالكلب. وقفت، فوقف. هكذا بدا لي أنه يراقبني بوضوح. أنت لي الليلة أيها الضخم. أقتربت من الحائط، فأقترب. ما هذه اللعبة السخيفة؟ وكأني أنظر في مرآة. نظرت للحائط وكأني أكتب شيئا ورمقته بطرف عيني فوجدته ينظر للحائط أيضا. أرأى بيت الشعر؟ لا أعرف. أفكر أنه لا يبدو لي أمرا خطيرا أن يراقبني أحدهم. ربما ملاك من السماء أرسله الرب ليحميني من بطش حامد ورفاقه وسيقترب في الوقت المناسب ليضربهم جميعا. أو ربما يكون متحذلق لا يعرف كيف يقضي ليلته فقرر ينزل للشوارع ليراقب الناس. لا يبدو لي لص في كل الأحوال.
والآن فلأتجاهله وأذهب لهدفي مباشرة. وبدأت أدندن مرة أخرى بصوت خفيض. بعد  برهة سمعت صوت دندنة يأتي من خلفي. الظل يدندن؟ ماذا يغني ذلك الأحمق المُقلد؟ أليس لديه مساحات إبداعية خاصة ليسلي نفسه على طول طريقه؟ منذ زمن لم أر ظل غير مبتكر.
وصلت للمقهى، ولم أجد شئ. عبارة فكرت أن أكتبها فوق أقرب حائط. يمكن أن تكون تلغرافا صغيرا. ولكني وصلت بالفعل إلى المقهى، لا يوجد مقهى! خلف السنترال ساحة واسعة دائرية فارغة. تجولت حولها والظل يلهث خلفي، أستطيع أن ألتقط أنفاسه بأذني الكبيرة. أين الجميع؟ المقهى وحامد والرفاق والكراسي والسحلب اللذيذ؟ أنا غارق في أسئلتي ولا أجد إجابة. لابد ان هذا الظل اللعين قد أخفاهم بطريقة أو بأخرى. توجهت إليه لأنقش على وجهه هذه المرة.
كان يبتعد بنفس مقدار قربي له. خطوتي للأمام وخطوته للخلف، خطوة بخطوة. أكاد أجن! ما هذا الشيطان؟ وجدت على الأرض نقش بخط كبير، كُتب بأكبر قلم رصاص يمكن لخيالي أن يدركه "وصلت للمقهى، ولم أجد شئ". ثم رأيت الظل وقد تحول لظلال كثيرة بمعاطف سوداء تجعلهم ذو حجم ضخم، عريضي المنكبين كمجرمين سابقين. وبيدهم أقلام رصاص. واقفون حولي على شكل دائرة وأنا في المنتصف. مركز الدائرة. أقتربوا مني.. أكثر.. فأكثر.. فأكثر ثم ألتحمنا سويا في نشوى وحلقنا في السماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتنبي*


Friday, March 22, 2013

دعوا جويس وشأنه!

جولة قصيرة في مقاطعة ترييستي بشمال شرق ايطاليا ستأخذك الى المقهى الذي احبه والى المطعم حيث تناول طعامه والشاطئ حيث ذهب للسباحة مع ابنه. لن ترى في تلك الجولة الوحدات السكنية التي أُلقى منها جويس خارجا عندما كان عاجزا عن دفع الايجار او حيث بدأت نورا، المرأة التي عاش معها خارج نطاق الزواج، تتعرف على اعراض الحمل. تبدو لك اثار جويس من جانب درج بمحطة 
القطار على لوحة معدنية تذكارية، نعرف من خلالها ان هذا الرجل العظيم تعود ان يغدو ويروح فوق هذه الدرجات منذ سنوات عدة.

تلك اللوحة التذكارية المنقوشة على رصيف رقم 1 بمحطة قطار ليوبليانا بسلوفينيا
هي تحتفي بذكرى 19 أكتوبر 1904عندما نزل جويس وزوجته من على متن القطار بالخطأ في تلك المدينة
وقد كانا في طريقهم لترييستي. وأمضا جويس ونورا لليلتهما في محطة القطار. قام بنحتها جاكوف برادر وأعلن عنها في
عام 2003، محفور عليها نبذة قصيرة  عن ذلك الحدث.


كثيرة هي المدن التي تطالب بحقها في جويس: دوبلن، بكل تأكيد، باحتفالها الأبدي به في يوم Bloomsday. ومدينة زيورخ السويسرية حيث مكث بها مع أسرته هروبا من الحرب وقد وافته المنية هناك. وباريس حيث قابل ناشرته سيلفيا بيتش وقابل المعجبين في المطعم المحلي. فهناك العديد من اللوحات التذكارية فيما يقرب من نصف المدن الاوروبية، شوارع وساحات عامة وجادات في كل انحاء اوروبا تحمل اسمه، وتماثيل تحمل ملامحه. حتى المدن تتبادل ما يدور حوله، مثل الحانة الدوبلنية التي تعود للقرن الثامن عشر تم بيعها ونقلها الى زيروخ لان الديكور تم الاشارة اليه في رواية عوليس. حتى ان جويس لم يكن في حاجة لابداء اعجابه بمدينة بعينها لتتدعي امتلاكه. فمروره بها سريعا او ربما الاشارة إليها في إحدى اعماله كانت كافية لادعاء مدينة ما انه ينتمي اليها.
ليست المدن فقط التي تتنازع على تركته. فبعد وفاته بسبعة عشر عاما، مازال الناس يفعلون. فجويس مازال المحرك الرئيسي للدعاوى القضائية وجهد الباحثين للتوصل لسلوكه المحلي، وتحاول اسرته الحد من ذلك بكل الطرق الانسانية والقانونية.
في هذا النطاق، قمنا بتحويل جويس إلى شيطان. حدث ان اهتما نورا وجويس بحفيدهما ستيفان جويس حفيده ونورا لفترة لتدهور صحة والدته النفسية. وقد أبدى الباحثون والكُتاب سعادتهم لاستطاعتهم الخوض في اسرار تلك العائلة، التي تتضمن تدهور صحة والدة ستيفن النفسية، كما تتضمن اصابة ابنة جويس، لوسيا، بمرض عقلي. وتم الاشارة أيضا لرسائل حب فاضحة تم تبادلت بين الجدين. فجن جنون جويس وقرر عقاب الجميع. فتوقف تماما عن العمل، وأصبح يقاضيهم بشراسة ويرفع الدعاوى القضائية ضد أي قراءات صغيرة من عوليس لانتهاكها حقوق الملكية الفكرية ورفض منح اذنه لأي شخص بطبع كتابه الخاص طالما يتضمن اقتباس من عمل من اعماله.
وترتب على هذا ان العلاقة بين الوصي على الممتلكات والباحثون أصبحت شديدة الخصومة. فكل جانب كان يبالغ في ردة فعله. ستيفن جويس كان يقاضي اي شخص ينظر لاعمال جده بشكل هزلي، كما صرح الكُتاب والباحثون في المطبوعات مطلقون على الوريث لقب المجنون والأحمق. وحين دخل الجزء الاكبر من املاك جويس تحت الملكية العامة للاتحاد الاوربي، قامت دار نشرايرلندية صغيرة تسمي Ithys Press بتحدي الوصي واختيار عمل من اعمال جويس وفقا لذوقها الخاص. لم يكن هناك قرار صدر بعد بصدد اذا كانت اعمال جويس الغير منشورة قد دخلت في نطاق الملكية العامة بجانب الكتابين "بورتريه لفنان في شبابه، وأهل دوبلن"، فاختارت دار النشر الايرلندية انشودة قصيرة للاطفال "هرر كوبنهاجن" وقدمتها للطباعة. في الحقيقة هذه القصة كتبت في الاساس من اجل ستيفين في خطاب معنون له وقد صدر بيان من ستيفان جويس يعبر فيه عن استيائه.


بينما اقرأ سيرة جيمس جويس الذاتية بقلم الكاتب البريطاني جوردن بوكر، اتساءل عن ماذا جنينا من رفع الغطاء عن الحياة الخاصة لهذا الكاتب. فلقد قضى بوكر وقت طويل في جمع التفاصيل الشخصية التي في إمكانها ايصاله مباشرة لاعمال جويس الادبية. فالشخصيات التي خلقها جويس على الورق عادت الى حياتها الاصلية. في رأيي ان المرجع المهم لابد ان يقدم شروحات مقروءة وواضحة، فحتى الشخص الذي يشعر بالتيه في روايات مثل عوليس أو استيقاظ فينجانز يدرك تماما ان لا وجود للحشو في هذه الكتب. فالدقائق تمر بهيجة رائعة في هذه مثل الروايات. ونجد ان الكتب غالبا تبقى في الوجدان على اية حال، حتى اذا انحدرت وصولا الى الابيض والاسود، او تم تحويلها الى بازل لابد من حله او شفره لابد من فكها.
هناك ايضا الهراء المتعلق بدراسة الثقافة والحياة التي هرب منها جويس وكأنها هي التي انتجت رجل كهذا وسمحت بازدهار عمله. بوضوح لقد نظف بوكر ملابس جويس، وقام بتعليق ملابسه الداخلية امام الجميع حتى تجف. فلقد ركز على البقع في تلك الملابس، وجويس كان لديه العديد منها. فكان من الشخصيات التي لا يمكنك ان تطلق عليهم لطفاء. يمكن القول انه كان أحمق، ولكن من الصعوبة ان نرى أهمية ذلك في مشواره الأدبي.
كتب بوكر عامود الى جريدة دايلي بيست، يتذمر من محاولات جويس لايذاءه بجانب الكُتاب الآخرين. وصرح ان اعماله اصبحت أخيرا ضمن الملكية العامة قائلا: "لقد تم إزالة الألغام ولن يستطيع القانونيون المتربصون أو الأوصياء على إرثه الأدبي المفتعلون للمشاكل، ان يمنعونا من البحث والتحري".
ومازلت لا استطيع تخيل كيف كان على ستيفان ان يتعاون أيضا. حسنا، لذلك كان تدمير الخطابات والعناصر الخاصة الأخرى ردة فعل مبالغ فيها. لكن عندما زاد ضغط الباحثون وكتاب السير الذاتية على الأوصياء على الأملاك، خاصة هؤلاء من أفراد العائلة، ماذا كانوا يتوقعون؟. فقد يدعي كتاب السيرة النوايا الطبية والنبيلة، ولكن الكثير منهم يتعامل مع القيل والقال. فلقد شهد ستيفان بعضهم وهم يسخروا منه وينحدروا به الى منزلة شخصيات الكرتون المتحركة، من خلال الكتابة عن حالة خالته العقلية والتي عانت من فترات متكررة من الجنون وقضت الكثير من حياتها في مصحة، والتي تم تشخيصها على انها ليست انفصام في الشخصية ولكن إرهاف حسي فحسب بسبب تعلق والدها الجنسي بها، ذلك الجد الذي اُطلق عليه لقب كاذب ومخادع. وقد واجه والديه، كلاهما كشخصيات خاصة على حد السواء، فحص دقيق لم يكونا يستحقاه. والد ستيفان الذي هو ابن جويس اُطلق عليه متسكع تافه لانه ابدا لم يعمل في وظيفة ووالدته اُطلق عليها المجنونة. اعتقد اني لو كنت في مكان ستيفان، كنت سأبدأ في حرق المستندات، ايضا.
لقد غيرت رأيي فيما يخص ستيفان جويس. لقد اعتدت ان اطلق عليه "معتوه" منذ زمن ومعه كل من ينتمي لعائلة جويس. لقد انتقدت دمار الممتلكات الذي لحق بسنوات من الدراسة، ولكن بعد ذلك بدأت في قراءة هذه الدراسة. قرأت عن جنون لوسيا، وقرأت خطابات جويس القذرة لزوجته نورا. وقرأت عن حياتهم الجنسية. كما قرأت عن جنون والدة ستيفان وكسل ابيه. وقرأت كل انواع النقد حول لماذا رواية عوليس اقل خيالية وتحمل قابلية اكثر للشرح والتفسير اكثر من ما ربما كنت اريد تصديقه. وغيرت رأيي في ستيفان فلم اعد اراه بعد ذلك كرجل فاقد لعقله، بل أرى أبن وحفيد يحمي اسرته. ربما فعل ذلك مرغما، ولكنه كان رجل يحب عائلته.

لو كان في إستطاعتي لناشدت الأوصياء ان يكونوا أكثر حزما. أكثر إحباطا للمتطفلين ويكون سلوكهم تهديدي أكثر. فلندع الاوصياء يحفروا كل الخنادق التي تحمي تراثهم. فجويس نفسه حمى خصوصيته بشدة، كما اراد حماية خصوصية زوجته وأطفاله. أصبحت لا اشعر بثراء السيرة الذاتية التي كتبها بوكر. اعتقد ان العالم يمكنه ان يسير على ما يرام من دونها. لكن العالم بدون جيمس جويس.. صورته لا تهمني بشكل خاص.

كتبت جيسا كريسبين، محررة ومؤسسة Bookslut.com
عن سمارت ست
ترجمة: أميمة صبحي

Wednesday, March 20, 2013

نظر 1

شعار وتعصب!

 انتهى في الأسبوع الماضي "عِقُد المرأة العالمي" (مرور 10 سنوات على اختيار 1975 عاما عالميا للمرأة). وكانت هيئة الأمم المتحدة قد اختارت شعارا مرسوما يميز العام العالمي للمراة والعقد العالمي لها. واتفقت كل "الأمم" الأعضاء على استخدام الشعار نفسه طوال 1975 والعشر سنوات التالية. والشعار البصري يمثل شكلا لحمامة يضم علامة الجنس الأنثوي وعلامة التساوي وإليكم ذلك الشعار:


لكن اسرائيل فاجأت العالم بامتناعها وحدها عن استعمال الشعار المرسوم الذي استعمله كل العالم. لماذا؟ لأنها اعتبرت علامة الأنوثة صليبا! ورفضته لهذا السبب. ووضعت اسرائيل لنفسها شعارا خاصا بالعام العالمي للمرأة ضمنته نجمة داوود (كأغلب شعاراتها المرسومة). وهذا هو الشعار الاسرائيلي:


وبعد ذلك يتكلمون عن التعصب الديني ضدهم؟

نَظَرْ - محي الدين اللباد