جولة قصيرة في مقاطعة ترييستي بشمال شرق ايطاليا ستأخذك الى المقهى الذي
احبه والى المطعم حيث تناول طعامه والشاطئ حيث ذهب للسباحة مع ابنه. لن ترى في تلك
الجولة الوحدات السكنية التي أُلقى منها جويس خارجا عندما كان عاجزا عن دفع
الايجار او حيث بدأت نورا، المرأة التي عاش معها خارج نطاق الزواج، تتعرف على اعراض
الحمل. تبدو لك اثار جويس من جانب درج بمحطة
القطار على لوحة معدنية تذكارية، نعرف
من خلالها ان هذا الرجل العظيم تعود ان يغدو ويروح فوق هذه الدرجات منذ سنوات عدة.
تلك اللوحة التذكارية المنقوشة على رصيف رقم 1 بمحطة قطار ليوبليانا بسلوفينيا
هي تحتفي بذكرى 19 أكتوبر 1904عندما نزل جويس وزوجته من على متن القطار بالخطأ في تلك المدينة
وقد كانا في طريقهم لترييستي. وأمضا جويس ونورا لليلتهما في محطة القطار. قام بنحتها جاكوف برادر وأعلن عنها في
عام 2003، محفور عليها نبذة قصيرة عن ذلك الحدث.
كثيرة هي المدن التي تطالب بحقها في جويس: دوبلن، بكل تأكيد، باحتفالها
الأبدي به في يوم Bloomsday. ومدينة زيورخ
السويسرية حيث مكث بها مع أسرته هروبا من الحرب وقد وافته المنية هناك. وباريس حيث
قابل ناشرته سيلفيا بيتش وقابل المعجبين في المطعم المحلي. فهناك العديد من
اللوحات التذكارية فيما يقرب من نصف المدن الاوروبية، شوارع وساحات عامة وجادات في
كل انحاء اوروبا تحمل اسمه، وتماثيل تحمل ملامحه. حتى المدن تتبادل ما يدور حوله،
مثل الحانة الدوبلنية التي تعود للقرن الثامن عشر تم بيعها ونقلها الى زيروخ لان
الديكور تم الاشارة اليه في رواية عوليس. حتى ان جويس لم يكن في حاجة لابداء
اعجابه بمدينة بعينها لتتدعي امتلاكه. فمروره بها سريعا او ربما الاشارة إليها في
إحدى اعماله كانت كافية لادعاء مدينة ما انه ينتمي اليها.
ليست المدن فقط التي تتنازع على تركته. فبعد وفاته بسبعة عشر عاما، مازال
الناس يفعلون. فجويس مازال المحرك الرئيسي للدعاوى القضائية وجهد الباحثين للتوصل
لسلوكه المحلي، وتحاول اسرته الحد من ذلك بكل الطرق الانسانية والقانونية.
في هذا النطاق، قمنا بتحويل جويس إلى شيطان. حدث ان اهتما نورا وجويس
بحفيدهما ستيفان جويس حفيده ونورا لفترة لتدهور صحة والدته النفسية. وقد أبدى الباحثون
والكُتاب سعادتهم لاستطاعتهم الخوض في اسرار تلك العائلة، التي تتضمن تدهور صحة
والدة ستيفن النفسية، كما تتضمن اصابة ابنة جويس، لوسيا، بمرض عقلي. وتم الاشارة
أيضا لرسائل حب فاضحة تم تبادلت بين الجدين. فجن جنون جويس وقرر عقاب الجميع. فتوقف
تماما عن العمل، وأصبح يقاضيهم بشراسة ويرفع الدعاوى القضائية ضد أي قراءات صغيرة
من عوليس لانتهاكها حقوق الملكية الفكرية ورفض منح اذنه لأي شخص بطبع كتابه الخاص
طالما يتضمن اقتباس من عمل من اعماله.
وترتب على هذا ان العلاقة بين الوصي على الممتلكات والباحثون أصبحت شديدة الخصومة.
فكل جانب كان يبالغ في ردة فعله. ستيفن جويس كان يقاضي اي شخص ينظر لاعمال جده
بشكل هزلي، كما صرح الكُتاب والباحثون في المطبوعات مطلقون على الوريث لقب المجنون
والأحمق. وحين دخل الجزء الاكبر من املاك جويس تحت الملكية العامة للاتحاد
الاوربي، قامت دار نشرايرلندية صغيرة تسمي Ithys Press بتحدي الوصي واختيار عمل من اعمال جويس وفقا لذوقها
الخاص. لم يكن هناك قرار صدر بعد بصدد اذا كانت اعمال جويس الغير منشورة قد دخلت
في نطاق الملكية العامة بجانب الكتابين "بورتريه لفنان في شبابه، وأهل دوبلن"،
فاختارت دار النشر الايرلندية انشودة قصيرة للاطفال "هرر كوبنهاجن"
وقدمتها للطباعة. في الحقيقة هذه القصة كتبت في الاساس من اجل ستيفين في خطاب
معنون له وقد صدر بيان من ستيفان جويس يعبر فيه عن استيائه.
بينما اقرأ سيرة جيمس جويس الذاتية بقلم الكاتب البريطاني جوردن بوكر،
اتساءل عن ماذا جنينا من رفع الغطاء عن الحياة الخاصة لهذا الكاتب. فلقد قضى بوكر
وقت طويل في جمع التفاصيل الشخصية التي في إمكانها ايصاله مباشرة لاعمال جويس
الادبية. فالشخصيات التي خلقها جويس على الورق عادت الى حياتها الاصلية. في رأيي
ان المرجع المهم لابد ان يقدم شروحات مقروءة وواضحة، فحتى الشخص الذي يشعر بالتيه
في روايات مثل عوليس أو استيقاظ فينجانز يدرك تماما ان لا وجود للحشو في هذه الكتب.
فالدقائق تمر بهيجة رائعة في هذه مثل الروايات. ونجد ان الكتب غالبا تبقى في
الوجدان على اية حال، حتى اذا انحدرت وصولا الى الابيض والاسود، او تم تحويلها الى
بازل لابد من حله او شفره لابد من فكها.
هناك ايضا الهراء المتعلق بدراسة الثقافة والحياة التي هرب منها جويس
وكأنها هي التي انتجت رجل كهذا وسمحت بازدهار عمله. بوضوح لقد نظف بوكر ملابس
جويس، وقام بتعليق ملابسه الداخلية امام الجميع حتى تجف. فلقد ركز على البقع في
تلك الملابس، وجويس كان لديه العديد منها. فكان من الشخصيات التي لا يمكنك ان تطلق
عليهم لطفاء. يمكن القول انه كان أحمق، ولكن من الصعوبة ان نرى أهمية ذلك في
مشواره الأدبي.
كتب بوكر عامود الى جريدة دايلي بيست، يتذمر من محاولات جويس لايذاءه بجانب
الكُتاب الآخرين. وصرح ان اعماله اصبحت أخيرا ضمن الملكية العامة قائلا: "لقد
تم إزالة الألغام ولن يستطيع القانونيون المتربصون أو الأوصياء على إرثه الأدبي
المفتعلون للمشاكل، ان يمنعونا من البحث والتحري".
ومازلت لا استطيع تخيل كيف كان على ستيفان ان يتعاون أيضا. حسنا، لذلك كان
تدمير الخطابات والعناصر الخاصة الأخرى ردة فعل مبالغ فيها. لكن عندما زاد ضغط
الباحثون وكتاب السير الذاتية على الأوصياء على الأملاك، خاصة هؤلاء من أفراد
العائلة، ماذا كانوا يتوقعون؟. فقد يدعي كتاب السيرة النوايا الطبية والنبيلة،
ولكن الكثير منهم يتعامل مع القيل والقال. فلقد شهد ستيفان بعضهم وهم يسخروا منه
وينحدروا به الى منزلة شخصيات الكرتون المتحركة، من خلال الكتابة عن حالة خالته
العقلية والتي عانت من فترات متكررة من الجنون وقضت الكثير من حياتها في مصحة، والتي
تم تشخيصها على انها ليست انفصام في الشخصية ولكن إرهاف حسي فحسب بسبب تعلق والدها
الجنسي بها، ذلك الجد الذي اُطلق عليه لقب كاذب ومخادع. وقد واجه والديه، كلاهما
كشخصيات خاصة على حد السواء، فحص دقيق لم يكونا يستحقاه. والد ستيفان الذي هو ابن
جويس اُطلق عليه متسكع تافه لانه ابدا لم يعمل في وظيفة ووالدته اُطلق عليها
المجنونة. اعتقد اني لو كنت في مكان ستيفان، كنت سأبدأ في حرق المستندات، ايضا.
لقد غيرت رأيي فيما يخص ستيفان جويس. لقد اعتدت ان اطلق عليه
"معتوه" منذ زمن ومعه كل من ينتمي لعائلة جويس. لقد انتقدت دمار الممتلكات
الذي لحق بسنوات من الدراسة، ولكن بعد ذلك بدأت في قراءة هذه الدراسة. قرأت عن
جنون لوسيا، وقرأت خطابات جويس القذرة لزوجته نورا. وقرأت عن حياتهم الجنسية. كما
قرأت عن جنون والدة ستيفان وكسل ابيه. وقرأت كل انواع النقد حول لماذا رواية عوليس
اقل خيالية وتحمل قابلية اكثر للشرح والتفسير اكثر من ما ربما كنت اريد تصديقه.
وغيرت رأيي في ستيفان فلم اعد اراه بعد ذلك كرجل فاقد لعقله، بل أرى أبن وحفيد يحمي
اسرته. ربما فعل ذلك مرغما، ولكنه كان رجل يحب عائلته.
لو كان في إستطاعتي لناشدت الأوصياء ان يكونوا أكثر حزما. أكثر إحباطا
للمتطفلين ويكون سلوكهم تهديدي أكثر. فلندع الاوصياء يحفروا كل الخنادق التي تحمي
تراثهم. فجويس نفسه حمى خصوصيته بشدة، كما اراد حماية خصوصية زوجته وأطفاله. أصبحت
لا اشعر بثراء السيرة الذاتية التي كتبها بوكر. اعتقد ان العالم يمكنه ان يسير على
ما يرام من دونها. لكن العالم بدون جيمس جويس.. صورته لا تهمني بشكل خاص.
كتبت جيسا كريسبين، محررة ومؤسسة Bookslut.com
عن سمارت ست
ترجمة: أميمة صبحي
No comments:
Post a Comment