عرض سريع لرواية إيلين للكاتب النرويجي Ingvar Ambjrnsen والتي تم نقلها إلى الإنجليزية تحت إسم "ما وراء الأبواب العظيمة" بواسطة المترجم الإنجليزي Don Bartlett والمترجمة Kari Dickson الاسكتلندية الأب ونرويجية الأم.
تحكي الرواية عن ايلين المصاب بمرض التوحد والذي كان يعيش بصحبة والدته ثم
توفت تاركة إياه بدون خبرة في الحياة. ينتقل ايلين بعد وفاتها الى دار رعاية وهناك
يقوموا بتأهيله ليستطيع التكيف مع المجتمع. في هذه الدار يعرف ايلين صديقه فيما
بعد كجيل باجرني الذي يعاني من إعاقة ذهنية. بعد انتهاء فترة التأهيل يخرجا سويا
للعالم تحت إشراف الدار التي تمنحهم شقة صغيرة ومرتب شهري يساعدهم في بدء حياة
طبيعية.
يعيش ايلين وكجيل في العاصمة أوسلو بمخبأهم دون محاولات جدية للاندماج في
المجتمع والتعرف على الجيران. يحاول فرانك المشرف النفسي المسئول عنهم حثهم على
الخروج وشراء احتياجاتهم والذهاب للسينما ولكنهم في البداية يجدوا صعوبة في ذلك.
ايلين لا يخرج غير في صحبة فرانك وكجيل، اما الأخير لا يخرج سوى لشراء احتياجاتهم
من الطعام ويقضي يومه في المطبخ الذي يحبه ليصنع الطعام.
بمرور الوقت يستطيعان الاندماج بسهولة اكثر. في إحدى الايام عند عودتهم من
مطعم حيث تناولوا العشاء، سمعا ضجة على سلم مسكنهم. في البداية كان الخوف هو
الشعور المسيطر ولكن تحمس كجيل وأخذه فضوله للجري لأعلى ليرى بنفسه ما يجري. وقد
كانت سيدة شابة ثملة وتائه على درجات السلالم. فيحملها كجيل حيث شقتها ويصاحبه
ايلين ثم يصمم كجيل ان يبقى معاها حتى تفيق من اغماءتها بينما يهلع ايلين من فكرة
تواجدهما في شقة مجاورة غريبة. كل ما يفكر به ان دار الرعاية سوف تسحب منهم الثقة
والشقة وتجبرهم على العودة الى هناك. دائما ما كان ايلين يفكر بخوف في اي غلطة قد
يقترفها وتكون سبب للعودة مرة أخرى الى حيث لا يريد.
وبالفعل يبقى كجيل بجوار السيدة ويعود ايلين لشقتهما بالدور السفلي ساخطا.
وبعد احداث قليلة يقعا كجيل والسيدة الشابة في الحب سويا ويتضح لنا ان السيدة،
رايدن، حامل من إثر علاقة سابقة بشاب اسباني. ولكن كجيل لا يكترث لذلك ويبدأ في
الاهتمام بها والتقرب منها. يشعر ايلين بالغيرة احيانا من جراء هذه العلاقة ولكنه
يكتشف بالصدفة انه قادر على كتابة الشعر ويبكي متأثرا بهذا الاكتشاف فينشغل عنهم
بموهبته الجديدة.
في إحدى الأيام تدعو رايدن كلاهما على الغداء ولكن ايلين يشعر بإنه غريب
ولا يقبل الدعوة متحججا بأنه لديه اجتماع مهم في نفس اليوم. ويبدأ يبحث في الجرائد
عن مناسبة ما ليخرج إليها ولا يبدو كاذبا امام كجيل فيرى اعلان عن أمسية شعرية في
إحدى المقاهي الراقية ويدرك انها أفضل ملاذ له بعد اكتشاف موهبته في الشعر.
هناك يتبادل الحديث مع احد الضيوف، وقد تقابلا سويا قبل ذلك اليوم في إحدى
المطاعم. لا تعجبهم الأمسية كثيرا فيقررا الخروج لتقضية المساء في مقهى آخر وتناول
بعض العصائر. بعد هذه الليلة يصبح ايلين صديقا لألفونس العجوز والذي نعرف بعد ذلك
من فرانك انه شاعر نُشر له دواويين شعريين في فترة السيتينيات وقد أثرا في حركة
الشعر في ذلك الوقت وتم تدريس بعض قصائده في الجامعة ثم توقف وانسحب فجأة من
المشهد الثقافي ولم يعد أحد يعرف عنه شيئا.
في أحد الليالي يصاب ألفونس بكدمة في قدميه تمنعه من الحركة فيتصل بإيلين
ليأتي لانقاذه. فيذهب كجيل بصحبته ويحمله الأول الى المستشفى لتلقي الاسعافات
اللازمة. وتتكرر الزيارات لبيته وبصحبتهم رايدن ايضا. يعرف كجيل ان ألفونس يملك
سيارة امريكية قديمة الطراز وتقبع في المرأب لعطل ما لم يتعرف عليه أحد بعد،
فيتطوع لاصلاحها. ويعده ألفونس بأنه لو استطاع اصلاحها بانه سيصطحبهم جميعا في
رحلة الى الشاطئ حيث كابينة مملوكة له هناك.
وبالفعل يستطيع كجيل اصلاح السيارة ويذهبوا جميعا الى الرحلة الموعودة بعد
استشارة فرانك واستئذانه. هناك في الكابينة تقرر رايدن النوم في حجرة كجيل، فلا
يتبقى لإيلين سوى مشاركة ألفونس غرفته. يغضب ايلين بشدة ويخبر كجيل بأن اقدامه على
اي علاقة جنسية مع رايدن وهي في أواخر شهور الحمل بالتأكيد سيؤذي الطفل ومن الممكن
ان يموت. ويفكر بإخبار فرانك عن هذه الجريمة. وتمر الليلة في قلق وترقب، وعندما
يذهب ايلين للتمشية على الشاطئ، يتبعه كجيل بإحساس عميق بالذنب ويخبره انه لا يريد
إيذاء او جرح أحد ويطلب منه سرواله التحتي لأن خاصته غير نظيف. وهنا يجن جنون
ايلين ويتهمه بالخنزير الحقير لأنه لا يهتم بنظافته الشخصية ابدا.
ويعطيه ايلين سرواله التحتي ويرفض ارتداء سروال كجيل بل يشعر بالراحة لدفنه
في الرمال حتى لا يراه احد. ويهرول الاخير للعودة للكابينة بينما يبقى ايلين على
الشاطئ لساعتين متتاليين. عندما يعود يطمئن قلبه لإيجاد الجميع نيام ولكن بعد برهة
يسمع انين رايدن. في البداية يفكر في انه آلام المخاض ثم يسمع صوت قهقهه خافتة
فيفهم انهم يقيمون علاقة. فيتجهم ويفكر انه لا يريد ان يسترد سرواله التحتي من
كجيل بل انه لا يريد ان يرى ذلك السروال مرة أخرى أبدا.
في نهاية الرواية تلد رايدن طفلة جميلة ويحتفل ايلين وكجيل بمولدها احتفالا
صاخبا في إحدى البارات ويشربوا الخمور لأول مرة في حياتهم فيثملوا بشدة ولا
يتذكرون شيئا عن نهاية ذلك اليوم او كيف عادوا الى منزلهم. يشعر ايلين ان هذا هو
النهاية وان بمجرد ان يعرف فرانك بأمر ثمالتهم وترنحهم في الشوارع بعد منتصف الليل
سيعيدهم مرة أخرى الى دار الرعاية. ولكن فرانك يضحك بصوت عال ويطمئنه ان هذا طبيعي
لأنهم مازالوا في بداية الانخراط في المجتمع والخروج للعالم الحقيقي وان الخطأ
وارد بشدة في مثل تلك الحالات.
ورغم ان ايلين قد منع الجميع من التحدث مع ألفونس في أمر توقفه عن الشعر او حتى يذكر امامه انهم عرفوا حقيقة شخصيته إلا انه لم يتمالك نفسه عن سؤاله لماذا توقف فيجيبه ألفونس "لقد قلت ما عليه قوله ثم شعرت بالضجر، اعتقدت ان الاخرون ربما لديهم ما هو أكثر لقوله".
ورغم ان ايلين قد منع الجميع من التحدث مع ألفونس في أمر توقفه عن الشعر او حتى يذكر امامه انهم عرفوا حقيقة شخصيته إلا انه لم يتمالك نفسه عن سؤاله لماذا توقف فيجيبه ألفونس "لقد قلت ما عليه قوله ثم شعرت بالضجر، اعتقدت ان الاخرون ربما لديهم ما هو أكثر لقوله".
الرواية بديعة كتبت على لسان ايلين. تهتم بالتفاصيل والامور الحياتية من
وجهة نظر معاق ذهنيا وهذا يبدو لي أمر مختلف عن كل ما قرأته عن تلك الفئة من
البشر. لم أقرأ رواية بصوت راوي معاق سوى رواية ويليام فوكنر "الصخب
والعنف" الذي جعل بطله بنجامين المصاب بالتوحد ايضا يروي إحدى فصول الرواية.
كان تصور فوكنر عن المتوحدون أنهم محدودي الذكاء، أغبياء وحمقى. ولكن الكاتب هنا
أثرى شخصية ايلين بقوة الملاحظة ومحاولته لتفسير كل شئ والإلمام بكل ما يمر به من
تفاصيل وإبداء رأيه في إحدى الافلام السينمائية مثلا او في العلاقات الجنسية
والأنسانية بين البشر، كل هذا اعطى بعدا آخر لشخصية المعاق ذهنيا. وكم نحن نحتاج
هذا في وطننا العربي الذي لا يفرق بين المرض النفسي والجنون ووصمهم بالعار. كما
انه اضفى عليه ذكاءا ملموسا نجده في محاولة ايلين نشر شعره بطرق مبتكرة مثل نحت
شعره على ابواب الحمامات او وضع قصيدة في ورقة صغيرة داخل علبة مخلل وإعادة قفلها
كما لم تلمس من قبل وإعادتها للبائع ليعيد بيعها بدوره وبذلك ينتشر شعره ويكون
حديث المدينة.
تم تحويل الرواية إلى فيلم بعنوان Elling وحاز على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام 2001.
ولد الكاتب إنجفار في عام 1956 وهو من أشهر الكُتاب الرنويجيين المعاصريين وأكثرهم تأثيرا. وحاز على عدة جوائز لأعماله الأدبية المتنوعة ما بين أدب الطفل والأدب الكوميدي الإنساني.
No comments:
Post a Comment