Sunday, August 16, 2009

وكانت..

حي بولاق1974
ــــــــــــــــــ
كانت جميلة اجمل بنات الحي سمراء مكتنزة الساقين ذات شعر طويل بني غامق بلون الشيكولاتة يتطاير وراءها اينما ذهبت وبعيون تشبه اعين الهنود واسعة، تخلب الالباب وتمشي دائما في شموخ وهي تعرف انها... جميلة

وقع رأفت جارها في غرامها منذ صغره واخذ ينتظرها كل يوم في شرفته بالدور الارضي وهي قادمة من المدرسة يتمنى لو يحملها حتى لا تمشي على الارض مثلها لم يخلق ليمشي بين البشرعندما حصل على شهادة الدبلوم كانت قد تركت المدرسة بعد ان وصلت للثانوية العامة على غير عادة البنات حينذاك وخرجت للعمل كاسرة كل قيود الاسر التقليدية والحي الشعبي الذي تعيش فيه

لحق بها ذات صباح حار وهي في طريقها للعمل واعترضها بلطف وخوف"صباح الخير"نظرت اليه بعينين ساحرتين، سوادهما لامع بشدة فكاد ان يغمى عليه من فرط اللذة
"انا خدت شهادة الدبلوم، وكنت عايز اجي اتقدم لك"
قالت عبر شموخها الانيق
"دبلوم؟ طيب وانا مالي؟"

جرحه تعاليها عليه وفكرفي ان الدبلوم غير ملائم لكل هذا الجمال وقرر الحصول على الثانوية العامة حتى يستطيع ارضائها ونيل قلبها بعلو مركزه في المجتمع
ثلاث سنوات يذاكر ليحصل على الشهادة المنتظرة وهو يراقب الجسد الملفوف وهو يغدو ويروح والشعر العابث الذي لا يستقر ابدا والكعب العالي الذي يتهادى في رقة لا مثيل لها

ثم ذات صباح اخر حار
"صباح الخير"
قلبه يدق بشدة، ترى هل ستنظر اليه؟هل سيتحمل جمال العينين مرة اخرى؟ توقف قلبه للحظات عندما رمقته بجانب عينيها وشعر انه ملقي خارج الكون وحيد معذب بلا عزاء تمالك نفسه عندما بدأت تتأفف من وقفتها معه
"انا خدت الثانوية العامة"
مالت الى الامام في خفة وترفع لتعدل من وضع حذائها الابيض ذو الكعب الطويل كما كانت تقتضي الموضة وقتها وقالت وكأنها شخصية وهمية في حلم
"طيب وانا مالي؟"
كاد ان يجن عندما رأها تذهبوتتبخر امام عينيه ولكنه لم ييأس سيحصل على ليسانس الآداب ليرضيها ويصبح مناسب لها
ومضت به الايام طويلة وهي لا تفارق لحظاته يحلم بها ويتمناها فيزيد تفوقه عام بعد عام
لا تملأ عينيه سواها
انها الحياة بكل قسوتها وروعنتها وجمالها المميت
ويوم حار اخر حصل على شهادته التي تثبت نجاحه بتقدير امتيازعائد لشارعهم حامل حلمه في قلبه وغارق في سعادته
بالتأكيد سيحصل على رضاها في هذه المرة
في نفس اليوم ليلا سمع اصوات كثيرة وضوضاء وسيارات
خرج لشرفته ليجدها في فستانها الابيض وكانت باهرة
بهية
غارقة في نور لا يعرف له مصدر رغم سمارها
وكانت قاتلة
اصر خطيبها الذي صار اليوم زوجها ان تبدأ الزفة من امام شرفة رأفت
لقد كان جار في نفس الشارع ويعرف بأمره
حزين رأفت حتى الموت وهو يرى ملاكه يطير مبتعدا عنه متسائلا ماذا فعل هذا الجار ليفوز بها وماذا فعل هو لتبتعد عنه رغم كل الجهد الذي بذله
... وبعد عدة اياما نتقل رأفت مع اسرته لحي العباسية ولم يرجع ابدا لشارعه القديم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جامعة القاهرة كلية الآداب قسم الفلسفة 2008
بعد ان تناول فطوره في شرفته المطلة على النيل في حي المنيل ركب رأفت سيارته الفارهة وتوجه للجامعة ومشى على تؤدة في ممراتها العريقة حاملا شنطته الانيقة ويحيي بأطراف اصابعه الطلبة في شموخ كعادته في غير اكتراث
التقطت اذنه صوت كالحلم صوت لم تغيره السنوات طالما اعتبره تميمة نجاحه كان يقول له دائما
"طيب وانا مالي؟"
"ما انتي لو كنتي ذاكرتي زي اخوكي الكبير كنت دخلتي كلية كويسة"
"هانعمل ايه بقسم الفلسفة ده؟؟"
وقف لينظر في امعان كانت نفس العيون شديدة السواد مع وجود بعض التجاعيد اختفى الشموخ والتعالي القديم وذابت الاناقة مع اضافة حجاب صغير يخفي جمال الشعر المارق ترى أمازال ثائرا على الحياة؟
عاد له هاجسه الطفولي الذي كان يجعله يجري نحوها محاولا اثبات مدى جدارته بقلبها وود لو ذهب اليها بنفس الرجاء القديم ليخبرها انه اصبح الان دكتور في الجامعةولكنه خشى ان يواجه النظرات القاتلةخشى ان يسمع
"وانا مالي؟"
توجه الى مكتبه المكيف وهو مبتسم في هدوء
ونزلت هي بصحبة ابنتها لتركب اتوبيس متهالك مزدحم وقلبها مثقل باعبائه وتفكرهل سيستطيع زوجها دفع مصاريف ابنته المنتسبة للجامعة ام لا
7/6/2009

No comments:

Post a Comment