Sunday, August 16, 2009

أنفاق العجايب


(1)
تدخل امرأة في منتصف الاربعينات من الباب، اذا كنت تركب اتجاه المرج فبلاشك انك قد رأيتها وتعرفت عليها، تقف في بداية وسط الكوريدور الواقع بين الكراسي وتقول في صوت رتيب فقد حماسته من كثرة التكرار وان كان كلامها مقفي وكانها تلقي بقصيدة شعر في مسابقة محلية
والله العظيم انا اول مرة اقف الوقفة ديبنتي عيانة بالمرض الوحش وبتاخد حقنة كل اسبوعينوانا بامد ايدي لله اولا وبعد كده انتوا يا حضراتيا مسلمين، يا موحدين باللهساعدوا بنت يتيمة غلبانة عيانة بالمرض الوحشانا مش عايزة غير شلن فكة احوشهالله يشفيكم ويحميكم
ثم تمشي بتؤدة وبخطى ضيقة جدا وكأنها ترتدي كيمونو ياباني وتقف بجانب من استشفت فيه انه سيضع يده في جيبه ليعطيها ما تتمناه وتستمر في المشي في كيمونوها بطول العربة ثم تنزل من الباب الاخير في محطة مبارك وتتجه بخطى سريعة نحو سلم اتجاه المرجولا اعرف لماذا تنادي على المسلمين الموحدين بالله وتضيع فرصتها في الحصول على بعض المال من شخص مسيحي
(2)
يصعد عربة السيدات خصيصا لأنه يعرف بشكل جيد جدا انهن محبات للفضائح وجرائم القتل، وينادي بصوت عالي مرتب ومنظم على جريدته "الحوادث" وهو يحفظ كل الاخبار المكتوبة بداخلها
امرأة سفاحة تقتل 56 رجل حتى الآن ولم يتم العثور عليها لغاية يومنا هذاسيدة تذبح زوجها بسبب ريحة رجليهستة ذئاب يعترفون باغتصاب طفلة صغيرة لغاية ما ماتترجل يخنق ابنته لشكه لا مؤاخذة في شرفها
والله العظيم ما فيش جريدة في مصر تقدر تنشر مقالات بالجرأة ديولو بتقروا صحافة هاتعرفوا وهاتتأكدوا من ده
وانا بانصحكوا تشتروا اخر عددين لانهم مكملين لبعضيالا يا استاذةوالله العظيم العدد بيتباع بجنيه وانا بابيع العددين بجنيه عشان خاطركوا
يا لا يا مدام طلعي جنيه بسرعة عشان المفروض انزل في محطة مباركمافيش جرنال يقدر ينشر حاجة بالجرأة دي الا لما يكون مجنون
الجارة التي تسحر لجارها بالسحر الاسوداختطاف طفل والاعتداء عليه في دار السلام
تتهافت السيدات على الجريدة المجنونة الاجرأ على الاطلاق في تاريخ الصحافة المصرية التي يباع منها العدد بجنيه ولكنها الآن تباع العددين بجنيه فيكون هذا بمثابة فرصة لن تتكرر كثيرا في خط اتجاه المرج
(3)
نزل في محطة حسني مبارك، وهو يحضن كف صغيره في قوة حتى يحميه من الازدحام، قال له عبر اسنانه الصفراء كثيرة الاعوجاج"بص، دي بقى محطة باسم الريس"
قالها في نشوة ونظر الصغير للـ "يافطة" في زهو واخذ في ترتيب صديري بلون الطوب الاحمر القديم والذي يغطي قميص صوف بني بلون البن الغامق الذي بلا تحويجة ثم مسك يده والده، وقفوا في طابور طويل يقود في النهاية الى السلم المتحرك الذي يؤدي لاتجاه المرج، شعر الصغير باختناق وسط خصور كثيرة تحيط به من كل جانب فالتصق اكثر بخصر والده ذو البنطلون الزيتي المجعد المرقع بجانب الجيب الخلفي برقعة زيتية اللون ايضا ولكن من نسيج مختلفود لو يسأل الى اين بعد هذا الطابور الطويل ولكن تساؤله لم يطل كثيرا عندما رفع رأسه ليرى الناس تتحرك فوق السلم ولكن دون حركة فأدرك انه السلم الغريب الذي سمع عنه من "الواد فهيم اللي بيروح مصر" فانتشى فرحا وحرصا منه على مظهره الرجولي الذي يلكزه اباه في صدره عندما يتخلى عنه اكتفى بابتسامة صغيرة وان بدت واسعة تتطغي على عينيه الضيقتين وتشبث اكثر بالكف الكبير وجاء دورهم في الركوب فقفزوا سويا على الدرجات قبل ان تفوتهم والاب سعيد بارتعاشة صغيره المبتهجة فمال عليه بينما هم صعود"مش قلت لك والله العظيم هافسحك فسحة حلوة؟"
فضحك الصغير بقوة ثم قفزوا قفزة اخيرة بعيدا عن السلم
وقد ذابوا جميعهم في الزحام


5/2/2009

No comments:

Post a Comment