Tuesday, December 25, 2012

الجرادة والطائر لحنان الشيخ



بالنسبة لكثير من النساء الغربيات، أن المرأة المسلمة التقليدية منعزلة وغريبة مثل القمر. الجهل لا يولد الازدراء بنفس كم الارتباك وسوء الفهم وفوق كل ذلك الادعاء. بمواجهة مجموعة من التقاليد الظالمة بمقايسنا نحن على الأقل، فوسوستنا ناحيتهم هي الشعور بالرثاء الغامر لهؤلاء السيدات التي يعتبرن أخوات لنا. لا شك أن الحياة في أحسن حالاتها نجدها نحن صعبة التخيل وفي أسوأ حالتها نجد الخوف.
والحقيقة أننا حتى وقت قريب من فهمنا فأننا نسبيا لدينا القليل من المعلومات حول ما يجري خلف هذه الوجوه المحجبة. فمن المؤكد أن القصص العادية للأشخاص العادية نادرا ما تصل لعقلنا الواعي الواسع. فالمرأة في العالم العربي بدت لأسلافنا في أوروبا بالقرون الوسطى في نفس الوضع لعدة عقود: المتفرج الأبكم في مجتمع يسوده ثقافة الرجل المسيطر، عدم القدرة على الاتصال بالناس خارج حدود الأصدقاء والأسرة، هل هم سعداء؟ هل هم حزانى؟ هل يتطلعون لنفس احتياجاتنا؟ هل يشعرون بما نشعر؟
الكاتبة حنان الشيخ مؤلفة "الجرادة والطائر" على العكس تماما من هذا الفكر الشائع عن نساء العالم العربي، فهي سيدة عصرية ناجحة نشأت في بيروت وتلقت تعليمها في القاهرة. عملت في بلدها كصحفية قبل انتقالها للعيش في لندن حيث تعيش وتكتب الآن. يحكي الكتاب عن والدتها تلك السيدة التي نشأت وسط التقاليد القديمة لكن بقلب ثابت متطلع نحو المستقبل. تمثل تلك السيدة بشكل حاسم شئ من الغموض لابنتها التي تعتبر الحياة لها شكل واحد معاصر. وهذا يعطي بعدا إضافيا للسرد: هذه ليست رحلة اكتشاف للقارئ إنما هي لاكتشاف الكاتبة أيضا.
بطلتنا هنا هي كاميليا، فتاة الريف الجميلة التي نشأت في لبنان في الثلاثينات. وعندما تخلى الأب عن الأسرة انتقلت لبيروت. مأخوذة بازدحام وضوضاء الحياة في المدينة الكبيرة ومرتبكة للأجواء المختلفة المحيطة بها. وجدت كاميليا نفسها مخطوبة لأحد أقاربها. وتزوجت وأصبحت حامل وهي لديها 15 عام. ورغم ذلك جاهدت بقوة لتحسين ظروفها لتثبت إنها كفؤ لزوجها التقي بشكل أكثر مما ينبغي والذي يكبرها بثمان عشر عام.
صوت كاميليا الواضح والعنيد واحد من الأشياء المبهجة في هذا الكتاب. مهما كانت فقد تكون ضحية وبطلة وطفلة تعيش حياة مأساوية بالنسبة لزمانها، وهي أيضا حقيقة واضحة ولا يمكن إنكارها. زوجة وأم ومكرسة نفسها للحياة المنزلية وفي نفس الوقت لديها روح مراهقة تمتلأ رأسها بالمشاكسة والحب والغضب الشديد، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تمتلأ رأسها بكل الأشياء المشتركة بين الفتيات في سن المراهقة. كانت تحب الأفلام والحلي والملابس الجميلة والحلويات. مشاغبة ومباغتة وتطلق النكات على ارتباك واضطراب زوجها وغير هذا فهي واقعة في الحب مع شخص آخر.
غرام كاميليا بولد آخر في مثل سنها تم الإشارة إليه في لب الكتاب تقريبا، تمثل علاقتهما وماهيتها الحرية وحرية الاختيار والسعادة الشخصية وهذا ما يعرّف كاميليا، فانجذابها له ليس فقط بسبب شبابه وجماله الروحي ولكن أيضا من اجل ثقافته وتعليمه وذكائه. فهو يقدم مقارنة قوية مع زوجها الهمجي حيث أن الفن والجمال والحب ليسوا أكثر من تباه أحمق ورفاهية متكلفة وليس من حق أمثالهم الاستمتاع بها.
أي شخص يأمل في وضع وجه غير مدرك للعالم ويعرفه كشئ مؤذ سيحب هذا الكتاب. وذلك لأن الاتصال الحيوي للإنسان موجود هنا بغض النظر عن التدين أو مرور الزمن. تجارب كاميليا هي تجارب كل النساء اللاتي يسعين إلى الحرية، اختياراتها بعض من أصعب الاختيارات التي تمت باسم الاستقلال. ليكون ذلك السرد الجميل شهادة عظيمة لها.   


ترجمة: أميمة صبحي
عن ذا تايم
نُشر في اخبار الادب

No comments:

Post a Comment