Friday, December 28, 2012

لماذا دائما يفوز جولدمان؟

ما الشئ المشترك بين المصرفيون الاستثماريون، منظمي الأعراس، مديري الجنائز، والمعلقين على إعلانات الأفلام ذوي الصوت الأعلى دوما من الممثلين؟ رسوم عالية لمغامرات كبيرة، صفقات لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر

لماذا دائما يفوز جولدمان؟

في صيف عام 2000، طار بي ديفيد بوور، احد أحفاد مؤسس شركة ""Standard & Poor، بطائرته النفاثة الخاصة إلى منزل عائلته بنانتوكيت في ولاية ماساتشوستس الأمريكية.
أنا على ثقة انه لن يتذكر إني فعلت ذلك. في ذلك الوقت، كان هو رئيس شركة ميريل لينش "Merrill "Lynch للخدمات التمويلية، وكنت عامل منتسب في الفترة الصيفية بقسمه. المرة الوحيدة التي حصلت فيها منه على أكثر من لمحة كانت في تلك الأجازة الأسبوعية، حينها كنا انتهينا للتو من ماجستير إدارة الأعمال ونحاول أن نلفت انتباه رئيسنا في العمل بخيلاء ونحن نرتدي قميص صيفي غير أنيق أو سروال مجعد جديد ماركة ""Nantucket Reds.
في بيت والدته الريفي تجمع عدد قليل من السيدات يتحدثن أحاديث تافهة، لقد قضيت هذه العطلة بحذر شديد احتسي مشروبات منعشة ومحاولا التلاشي في الأريكة.
بعد مرور أسابيع بعد هذه المحنة بقيت حائرا. لماذا يقوم ديفيد بوور، وميريل لينش بالتباعية، بإنفاق الكثير من المال من أجلنا؟ لقد كنا جميعا أمريكيين رائعين، أنا متأكد من ذلك، ودرسنا البيزنس في جامعات مرموقة, لكن في هذا الصيف، وكل صيف، عشرات من مئات الشباب دارسي إدارة الأعمال يكدحون بعيدا في سعادة داخل طرقات ميريل لينش البيجية اللون حتى ولو بدون وجبات طعام. بالرغم من فقد هذه الشركة للقليل منا حيث ذهبوا إلى بنك جي بي مورجان تشايس أو بنك جولدمان ساتشز، إلا انه كان من الممكن استبدالنا بدون أي جهد. ولكن الشركة لم تكن تعاملنا كمن يقوم برحلة وتعطينا غداء فخم فحسب ولكنها أيضا كانت تدفع لنا 25.000 مقابل العمل لمدة 10 أسابيع.
لقد استخدمت كلمة "عمل" بشكل موسع إلى حد ما. فلقد امتد تدريبي الصيفي حتى الربيع اقضي الوقت في ردهة حجرة التدريب، مراقبا بورصة نازداك. في الوقت الذي نعد فيه تقرير ضريبي في منتصف شهر يونيو، انخفض مؤشر التقنية الثقيلة خاسرا نحو 1.300 نقطة من ذروتها في شهر مارس الذي وصل إلى 5.132.
قبل الانهيار اخبرنا الموظفون المتحمسون أن بنوك ميريل لينش ستكون بخير مهما حدث، ففي السوق الصاعدة طرحوا الاكتتابات العامة IPOs  وفي الأسواق الهابطة سيقومون بعمليات الاندماج والاستحواذ وإعادة شراء الأسهم بدلا من ذلك. تحول هذا التنبؤ إلى وهم مثل نشرة شركة pets.com  ضعيفة الأساس. فكان المكتب كضريح جيدا تماما. فلقد قضينا معظم أيامنا وليالينا في تأدية ما يشبه رقصة الكابوكي اليابانية متظاهرين بإنجاز عمل للرؤساء الذين يعرفون بالطبع أن لا يوجد عمل لنا. بينما العشاء والرحلات والراتب الوفير في استمرار.
لماذا؟ لقد اتضحت لي إجابة السؤال في إحدى شهور أغسطس بينما احتسي شراب الكوكتيل في حانة P. J. Clarke's ، المنطقة المالية الشبيهة بنسخة معدلة من سوق اللحم. هناك شريك آخر واضح، تافه كالبوم، التفسير هو "7%".
حيث ثبُتت التحليلات الجديدة معدل "الانتشار الإجمالي"، أو الرسوم، في طرح الاكتتابات العامة، وهو النوع الوحيد من الصفقات الحية التي عملت عليها في ذلك الصيف. لتتأكد بنفسك، قامت ميريل لينش باقتسام هذه الرسوم مع البنوك الأخرى. ولكن عندما أصبحت مئات الملايين من الدولارات، كما تصبح دائما بسهولة، أمست النسبة البسيطة تساوي كثير من المال. بالتأكيد المحاسب المختص أو السكرتير القانوني قد قاموا بالشق الأكبر من عملنا. ولكن في رسوم البنوك كانت رواتبنا تحسب كخطأ حسابي ينجم عنه تقريب الأرقام لأقرب عدد عشري.
ولكن يبقى السؤال، لماذا لا ينافسوا بخفض رواتبنا إذا كانوا يستطيعوا ذلك؟ أكاد أن اجزم أن إذا عيُن ديفيد بوور ومديريه دارسي ماجستير ادراة الأعمال من جورج تاون ونوتردام عوضا عن هارفارد وشيكاغو، فإنهم كانوا سيجدوا ما يفعلوه بالمال المقتصد.
يبدو السؤال ملائما تماما في هذه الأيام، وغامض، أكثر من أي وقت مضى. بتسريح موظفي البنوك الذي انتشر في الأسواق ستفكر أن الرواتب أخيرا قد انخفضت. ولكن حتى أعضاء الكونجرس الغاضبين يبدو إنهم لديهم تأثير محدود على كم استعداد الصناعة المالية لدفع رواتب موظفيها. التحقيقات والخطب اللاذعة نجحت فحسب في إجبار الشركات على دفع المزيد من المكافآت كرواتب بدلا من صرفها كعلاوات، كما لو أن القضية الأساسية لصرف الرواتب الضخمة في إنقاذها التدريجي للبنوك كانت توقيت الصرف.
لنفهم لماذا يبدو الدفع المصرفي غريبا باصرار، لابد أن نفكر في صناعة أخرى مغلفة برواتب وفيرة جدا وهي صناعة إعلانات الأفلام.
إلا إذا كنت أصم أو كنت تعيش في اعتكاف ديني في الأربع عقود الأخيرة فانك بالتأكيد سمعت صوت دون لافونتاين الأمريكي المشهور بقوة في مجال صناعة إعلانات الأفلام والذي يعرف باسم "صوت الله". صوته الأجش الاوبرالي يُبسط الجمل ويقربها للجمهور كجملة "في عالم حيث..." ويغوينا فيلما بعد فيلم بداية من فيلم دكتور سترانجلوف إلى فيلم آل سمبسون. عندما توفى العام الماضي عن عمر يناهز السادسة والثمانين ذُكر في نعيه أن الدون كان راتبه تقريبا 30 مليون دولار في العام من جراء تسجيله لإعلانات الأفلام وللإعلانات التجارية.
بالفعل يعتبر هذا مجرد اجر، خاصة عندما يُحلل إلى اجر بالساعة.  في خلال فترة عمله الطويلة، سجل لافونتاين أكثر من 5.000 إعلان تلفزيوني وآلاف المئات من الإعلانات التجارية التي تفصل بين البرامج، ولكن بصوت أعلى كثيرا من صوت الفنانين الذين يخرجون قليلا من المناخ السينمائي ويقوموا بتسجيل إعلان لا يقل عادة عن دقيقتين ولا يطول عن خمس. شئ واحد يجعل توم كروز يتقاضى 25 مليون دولار في الفيلم الواحد وهو انه يقوم بتمثيل فيلما واحدا فقط في العام، حيث يجذب قاعدة كاملة من معجبيه ولكن لا يقوم أي شاب بسؤال فتاة لمواعدته إذا عرف إنها راغبة في رؤية إعلان فيلم جديد بصوت دون لافونتاين.
وبالرغم من ذلك، تنمو صناعة إعلانات الأفلام لتصل تقريبا إلى 100 مليون دولار، وتستمر الشركات في تعيين زمرة من المحنكين في هذا المجال الذين يدفعون بشكل جيد، بدلا من إعطاء هذا العمل لعدد من الممثلين الجائعين للفت انتباه شوارع لوس أنجلوس. وبالنظر إلى اقتصاد صناعة الأفلام فان هذا التصرف قد بدأ أن يكون له معنى.
بدأ دون لافونتاين سنوات عمله الأربعون عندما لفظ نظام أستوديو هوليوود القديم أنفاسه الأخيرة. القوات التي قضت على احتكار الأستوديو قضت أيضا على احتكار خدمة الشاشة الوطنية National Screen Service  التي كانت تقوم بإنتاج كل إعلانات الأفلام لمدة تزيد عن 40 عام. في أعقابه، بدأت الشركات المستقلة تنافس على العمل المربح، وتدريجيا بدأت تحل محل الإعلانات الرسمية التي تفصل بين البرامج التي كانت تعرض على شاشة Turner Classic Movies  حيث كان يظهر الممثل الكوميدي بوب هوب على الشاشة ليخبرك كم ستكون صورته التالية رائعة.
لأكثر من سنوات، التغييرات التي حدثت تضافرت لجعل إعلانات الأفلام والتلفزيون التجارية أكثر أهمية. في البداية كان التلفزيون ثم الفيديو وأخيرا الـDVD  الذي قلل من عدد المرات التي يذهب فيها الجمهور لمشاهدة الفيلم في دور السينما. أثناء طفولتي، شاهدت فيلم "حرب النجوم" لأكثر من 17 مرة عندما عُرض لأول مرة. ولكني بالكاد أستطيع أن أتذكر اسم لفيلم واحد شاهدته مرتين في دار السينما منذ تخرجي من الجامعة.
في أول عطلة أسبوعية بعد عرض "حرب النجوم" حقق هذا الفيلم 1.5 مليون دولار كان هذا في أواخر مايو عام 1977، ثم وصل في ذروته إلى 7.7 مليون دولار في أول عطلة أسبوعية في شهر سبتمبر. وفي بداية ديسمبر، كان مازال يحصد أكثر من مليون دولار أسبوعيا. هذه الأيام، تنشر الأفلام على اسطوانات DVD .
بسبب القرصنة والمنافسة الشديدة في سوق الـDVD ، لم يعد هناك متسع من الوقت للأفلام لتستطيع جمع جمهورها. فهم في حاجة إلى الصراخ خارج الأبواب، وجمع الكثير من المال في أسابيع قليلة، ثم يتراجعوا ليَُخرجوا دورة حياة الفيلم الجديدة للساحة الدولية ولتنظيم العرض الأول في التلفزيون وكيفية توزيعه في اسطوانات الـ DVD. لذلك تحتاج الإعلانات المروجة للأفلام إلى جذب المراهقين المتشوقين لكل ما هو غريب وغير مألوف، أما الجمهور المستهدف الناضج لصناعة الفيلم فأنهم خارج دار السينما بأعداد هائلة. الاستثمار الهائل في الترويج الرفيع هو ما يجعل اناس مثلي يقولون أن إعلان الفيلم هو الجزء المفضل منه. حتى إذا لم يجن الأستوديو أرباح من شباك التذاكر المحلي، كما يحدث معظم الوقت، فالمبيعات العالية في شباك التذاكر تساعد في بيع الفيلم في الأسواق الأجنبية.
عندما بنفق الأستوديو عشرة ملايين من الدولارات لإنتاج فيلم ثم عشر ملايين مثلهم ليعلن عنه، ثم يدفع راتب شحيح لمعلق إعلاني سئ يُفسد كل هذا الجهد. كما يمكنك أن تدفع لشخص ما يقوم بدور خليفة دون لافونتاين 300.000 دولار في الإعلان وتظل تحصل فقط على نسبة ضئيلة من الميزانية الفعلية للفيلم. فالصوت السيئ سيكلفك أكثر كثيرا من ما تتمنى أن تكسبه. عندما يكون لديك فرصة واحدة لتفعل هذا بشكل صحيح، فانك ستميل إلى فتح حافظة نقودك ثم تصلي لله. لذلك فان الاتفاقات لتصوير لقطة واحدة فقط مكلفة بشكل مرعب وهذا هو المنطق الذي يسود حفلات الأعراس والجنائز والدبلومات الجامعية.
نفس المنطق يوضح لماذا ينوي العملاء دفع رسوم سخية لبنوك الاستثمار للقيام بالاكتتاب وبالعروض الثانوية والاكتتاب في السندات والاندماج والاستحواذ والعمل الاستشاري. غموض استثمار الرسوم البنكية غالبا ما يتحدد كنوع من مديري البنوك المخادعين الساذجين أو المديرين الذين يغدرون بمساهميهم في مقابل مكان شاغر في طائرة ميريل لينش الخاصة. ولكن الرأسماليون المغامرون الواقفون خلف الكثير من الاكتتابات العامة ليسوا مبتدئون تحت رحمة المصرفيين الكبار، فهم ومديري الشركة يعتمدون على الاكتتاب العام القوي وسيولة ما بعد البيع لان هذا يسمح لهم باسترجاع جزء من أموالهم الموجودة خارج الشركة. فإذا تسامحوا فيما يخص الرسوم الكبيرة فلابد من وجود سبب لذلك.
عندما قام البنك الاستثماريWR Hambrecht + Co  بإقناع شركة جوجل لاستخدام مزاد لاكتتابها العام في 2004، كان هناك أحاديث كثيرة عن نهاية الاستثمار البنكي التقليدي. بعد مرور خمس سنوات أصبحت شركة جولدمان ساكس مهيمنة أكثر من أي وقت مضى، كما أصبحت المزادات نادرة الحدوث. يمكن لشركة جوجل أن تعتمد على اسمها لبيع الأسهم وخلق سوق ثانوية قوية حيث يمكن لموظفيها ممارسة حقهم في بيع أو شراء الأسهم. ولكن معظم الشركات في حاجة إلى مساعدة أكثر. بالرغم من أن جولدمان ساكس قد لا يكون صفقة إذا كنت تقوم باتفاقات من نوع "تصوير اللقطة الواحدة"، فانك قد تريد أن تدفع أكثر لتسمع شئ واحد لن يستطيع المُدعِ الجائع أن يقوله لك: أن الشركة تدرك كيفية قيادة الوضع الحقيقي والمعقد وذلك لأنها فعلت هذا الأمر كثيرا من قبل.
بالطبع، الاكتتاب ليس هو المكان الوحيد الذي تصنع فيه الشركة المالية والعاملون أموالهم. ولكن منطق "صفقة تصوير اللقطة الواحدة" يطبق على مدفوعات التجار وآخرون كثيرين. وقت الحساب سيأتي سواء كانت الصفقة جيدة أم لا، هذا الوقت صعب لدفع الدين قبل استحقاقه وإذا سارت الأمور بشكل خاطئ فمن الصعب إصلاحها . في هذه الحالات، حتى الإشارة لوجود مهارات ضعيفة، بوسعنا ضرب مثال بمتدرب حاصل على ماجستير إدارة أعمال من مدرسة عليا، فان الحصول على مكافأة مجزية أمر مستحق.
لم احصل على عرض عمل دائم من ميريل لينش في نهاية الصيف، فكلا من الشركة وأنا أدركنا مبكرا إني لا امتلك نزعة داخلية للاستثمار البنكي. (حتى في صفقة "تصوير اللقطة الواحدة"، الإشارة الضعيفة تصل بك إلى هذا الحد). العديد من زملائي الذين حصلوا على عرض العمل كدحوا لعام أو اثنين ثم تم وقفهم عن العمل أو تركوا هذه الوظيفة لأخرى تسمح لهم برؤية الشمس من حين لآخر.
ولكن الذين بقوا في هذا المجال استطاعوا أن يجمعوا مالا وفيرا، وساعدوا في تدعيم استحواذ كونجرسي آخر (رفع أمريكا للدخل بشكل متفاوت). وتقترح الأدلة المتنامية أن تضخم القطاع المالي الفادح فسر جزء كبير من الفجوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء والفقراء على مدى العقدين الماضيين. حتى بالنسبة إلى شخص متحرر بشكل جوهري مثلي فان هذا يمثل مشكلة. فالأسواق المالية مساهم ذو قيمة كبيرة في الاقتصاد. ولكنها ليست بالقيمة التي تجعلها تمتص معظم الزيادة في الدخل خلال العقود القليلة الماضية.
بينما يمتثل هذا المقال للطبع، أُعلن جولدمان ساكس لتوه تحقيق أرباح قياسية، والتفت الإشاعات حول المعيار السنوي الجديد لراتب المصرفي. كم من الوقت يمكن لذلك أن يستمر؟ في كل مرة يتم الإعلان عن علاوة احد المصرفيين، يصيح الكونجرس، ويبحث موظفيه عن طريق شبه قانوني لتغطية الرواتب المالية. ولكن البحث الأخير للاقتصاديين توماس فيلبون وارييل ريشف يقترح الآتي عندما يسمح تحرير الأسواق من السيطرة الحكومية للقطاع المالي المعقد ولاسيما في ميادين الاكتتابات العامة ومخاطر الائتمان التنافسية، فان أجور العاملين الممولين ستبقى في تضخم خطير نسبة إلى العاملين في باقي مجالات الاقتصاد.
هل يستحق الأمر حزم التعقيد والمخاطر من اجل الحد من راتب المصرفي؟ الآن، تبدو الإجابة واضحة. ولكن التكنولوجيا والفقاعات الائتمانية خلقت ودمرت في نفس الوقت، بافتراض أننا نخطط للحد من كساد النشاط الاقتصادي والوظيفي الحالي، لن نكون بالضرورة أفضل حالا في خمس سنوات أو عشر إذا حاولنا طرد العائدات الزائدة خارج القطاع المالي.
للأسف، التنظيم نفسه واحدا من صفقات "تصوير اللقطة الواحدة"، لن نعرف حتى وقتا طويلا إذا ما كنا قد فعلنا ذلك على نحو صحيح أم لا. ربما يجب على العم سام أن يقضي وقتا اقل في القلق على رواتب المصرفيين ووقتا أكثر في التودد إلى المنظمين المتوقعين لرحلة خيالية فوق طائرة خاصة.



ترجمة: أميمة صبحي
عن دي اتلانتك - نُشر في وجهات نظر

No comments:

Post a Comment