Tuesday, December 25, 2012

لوركا، الشاعر السريالي


"السريالية ليست مدرسة شعرية إنما حركة تحريرية"، يقول الشاعر المكسيكي الحائز على جائزة نوبل اوكتافيو باز، "هي طريقة لاكتشاف لغة البراءة، تجديد أساس الحياة، فالشعر هو النص الأصلي، الأساس في النظام الإنساني. أما السريالية ثورية لانها تعود لبداية كل البدايات".

 في سكن الطلاب في مدريد عاش معا كل من الشاعر والكاتب المسرحي فدريكو جارسيا لوركا والرسام السريالي سلفادور دالي وصانع الأفلام لويس بنويل خلال الفترة من أواخر العشرينات إلى أوائل الثلاثينات من القرن الفائت، مكونين طليعة السريالية الأسبانية الجديدة. وقد عرفوا باسم "الجيل 27" ومعهم العديد من الشعراء الأسبانيين المشهورين خلال هذا الوقت، مثل جورج جويلان، بيدرو ساليناز وفيسنته ألكسندر. معارضين للحركة الرومانسية المحافظة في أسبانيا، وملهمين من قبل الرسم التكعيبي لبيكاسو، هذه المجموعة من الرسامين والشعراء والكتاب المسرحيين بدأوا في التجريب والتعاون مع الأساليب السريالية.
من أكثر الأعمال شهرة في الحركة السريالية كانت لوحات دالي  (إصرار الذاكرة 1931)، (اللعبة الحزينة 1929)، الأجسام السريالية، (مقياس الذاكرة اللحظية 1932)، والعين المشرحة بشفرة الحلاقة والسحابة المجزئة لقمر في فيلم بنويل ودالي "كلب اندلوسي" Un Chien Andalu الذي تم إنتاجه في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات تحديدا عام 1929 خلال أوج صداقتهما مع لوركا. وهو فيلم مدته 16 دقيقة تم إنتاجه في فرنسا وهو من أعظم الأفلام السريالية التي أنتجت في عشرينات القرن الماضي، فيلم بلا حبكة درامية بالمعنى التقليدي للكلمة، وتسلسله الزمني مفكك فيقفز ثمان سنوات إلى الأمام من بدايته "حدث ذات يوم" دون أحداث أو وقوع أي تغيير في الشخصيات مستخدما منطق الحلم.
 فيلم "العمر الذهبي" L’Âge d’Or، تعاون آخر بين بنويل ودالي وتم إنتاجه عام 1930 والفيلم مثل ما سبقه يركز على التعديل المزعج والمشاهد العنيفة ليحاكي احداهما الآخر ويعطي بنويل المساحة للتعبير عن نفوره وهوسه بالجنس والتركيب التشريحي للأنثى; وفي نفس الوقت انتقاد ميول لوركا الجنسية الشاذة علنا رغم صداقتهما الوثيقة.
في وقت سابق عام 1927، تعاون دالي ولوركا في الإنتاج المسرحي الذي أسفر عنه مسرحية "ماريانا بنيدا" وهي دراما تاريخية عن سيدة بنفس الاسم كانت معارضة لحكم الملك فرديناند السابع في أسبانيا وقد صارت قصة بطولتها جزء من فلكلور غرناطة. قام دالي ببناء المشاهد وكتب لوركا الحوار، وقد ساعدت شهرة أحداث المسرحية في الاعتراف بدالي ولوركا من قبل الشعب الأسباني. وقد نشر لوركا أيضا في تلك الفترة أكثر دواوينه الشعرية قربا للجمهور، (الأغاني 1927)، (حكايا غجرية 1928)، (قصيدة من الأغنية العميقة 1932).
يمكننا أن نجد تأثير السريالية في ديوانه الشعري (المدينة التي لا تنام) والذي كتبه عام 1929 بعد زيارته لنيويورك:

أحذر! كن حذر! كن حذر!
فالرجال الذين مازال لديهم خدوش من المخلب والعاصفة الرعدية
وهذا الصبي الذي يبكي لأنه لم يسمع قبلا عن الجسر
أو ذلك الرجل الميت الذي لا يملك الآن سوى رأسه وحذاء
لابد أن نحملهم إلى الخراب حيث الاغوانة والثعابين ينتظروا
حيث أسنان الدب تنتظر
حيث يد الصبي المحنطة تنتظر
وشعر الجمل منتصبا في النهاية مع رعشة عنيفة زرقاء.

صور لوركا تأثيرات السريالية في العشرينات أيضا. فكان لديه اهتمام غامر بالمسرح والموسيقى، وخلال هذه الفترة أصبح مهتما بالموسيقى الأسبانية الفلكلورية وموسيقى الفلامنكو التي جلبها الغجر إلى أسبانيا. هذه ألاغاني أعطت أعماله حداثة منهجية وإيقاعية لم تكن موجودة في الشعر آنذاك وعرف بأنه شعر اندلسي أو غجري. وعندما زار لوركا نيويورك اكتشف روحانيات الافروامريكان التي بدت له النسخة الأمريكية من الموسيقى الأسبانية التي كان يدرسها.
في منتصف أواخر الثلاثينات، تفرق لوركا ودالي، فقد سافر لوركا لغرناطة في عام 1936 في أوج الحرب الأهلية، وقتل على يد الجنود الفاشيون وأصبح شهيد جيله من المبدعين ورمز إلى التغيير الذي طرأ على الصورة الفنية.  


ترجمة واعداد: أميمة صبحي
نُشر في أخبار الادب

No comments:

Post a Comment