كان كالطفل الكبير السيئ الذي يخطط لاستعداء كل من يقابله بشعوره بعظمته
وكبريائه. وبرغبة لحوحة في ان يصبح ثريا كان رولد دال قادرا على وضع الحكاية
الشعبية بدهاء في كتب للاطفال، الاطفال الذي احب ان يرى عالمهم الداخلي الفوضوي
على الورق. تشارلي ومصنع الشيكولاته، العملاق مستر فوكس، ماتيلدا كل هذه الحكايات
الخرافية المعاصرة تسمح للقراء الشباب بان تشرد في بعض الاماكن المظلمة جدا ثم
تعود الى المنزل في الوقت المحدد للشاي.
عانى كثيرا من الفوضى وانتهى المطاف بقصصه القصيرة التي كان ينشرها في مجلة
new yorker خلال الخمسينيات الى مجلة Playboy الاباحية. ولقد اخذت منه روايات مثل جيمس
والخوخ الكبير وتشارلي ومصنع الشيكولاته سبع سنوات ليجد لهم ناشر بريطاني. في خضم
هذه الفوضى، دعم دال نفسه بكتابة سيناريوهات افلام لهوليوود والتي انتهت بوضع اسم
شخص اخر غيره على
افيش هذه الافلام. فيلمي "انت تعيش مرتين فقط 1967"
وتشيتي تشيتي بانج بانج 1968.
رغبته اللحوحة في الثراء لم تكن من
فراغ فلقد احتاج دال الى المال ليس فقط من اجل كلابه او اقتناء ما يحبه من الفن
الحديث او عادته في التباهي باعطاء الهدايا ولكن لانه صاحب اعلى فواتير طبية على الكوكب. فلقد تعرض لحادث مع
اسرته باحدى شوارع نيويورك عام 1960 ترك ابنه ثيو بتلف في المخ تبعه كارثة السكتات
الدماغية التي عانت منها زوجته الممثلة الامريكية باتريشيا نيل تلك الازمة الصحية
التي كانت في استطاعتها اعلان افلاس اغنى الرجال. فعمل دال كشيطان لانه اضطر الى
ذلك ليستطيع تمويل نظام الاطباء والتمريض الممتد بجانب العديد من المربيات ومديرات
المنزل والبستانيين الضروريين للحفاظ على بيته البوهيمي الذي وقع في غرامه. فهذه
الظروف المعقدة سمحت له بالاختباء في كوخ الكتابة بحديقة منزله كل صباح للحفاظ على
الاموال القادمة.
لقد كانت بالفعل بطولة عندما رفض دال تكهنات الاطباء المحدودة حول صحة ابنه
وزوجته. ورغم احباطه لان المجرى الذي تتدفق منه السوائل من مخ ثيو تعطل الا انه
استطاع ان يساعد الاطباء على تصنيع اخر جديد. الحيوية وهي الصفة المفضلة لديه في
كلا من الرجال والنساء، كانت الطريق التي رافق بها نيل لتستعيد بها حركتها
وحيويتها التي بقيت بشكل لا يصدق حتى اخر رمق لها وسرعان ما عادت للتمثيل مرة اخرى
بعد شفائها. وقد كان هذا في الوقت الذي فقد فيه الاطباء الامل خاصة بسبب الجنين
الذي لم يجهض بفعل الحادث.
ورغم كل هذه المعاناة لم تخلة حياته من الفكاهة والسخرية. فقد كان للاسماء
المضحكة تأثيرها في ادبه. ففي رواية دال تشارلي ومصنع الشيكولاتة والتي ربما لا
تكون شائعة وسط الاطفال كان رائع في اختيار اسماء شخصياته بشكل لا ينسى مثل ويلي
وانكا الذي ادى دوره الممثل الامريكي جوني ديب. وفي المجلد الثاني من مذكراته الذي
نشر عام 1986 يحكي دال عن رحلته الى افريقيا بالباخرة وعن احدى الركاب الذي كان
متحفظا تجاه صلعته، فلقد كان بحوذته الكثير من الشعر المستعار المتباين الطول حتى
يستطيع ان يحاكي الشعر الطبيعي. كان شخص غريب الاطوار يرش ملح انجليزي على سترته
ليبدو كقشرة شعر متناثرة. الجزء الطريف في الحكاية ان هذا الشخص يسمى بما معناه
"الامم المتحد اللاذعة". ويضيف دال "لم استطع تصديق ان هذا هو اسمه
الا عندما رأيته مكتوب في حقيبة سيارته".
روالد دال الذي مازالت كتبه تلهب خيال الاطفال بعد 20 عاما من موته تتسول
اسرته الان الاموال لترميم سقيفة كوخه الذي ابدع فيه اعماله الخالدة. هناك القليل
من التفاؤل يجعلهم يتوقعوا تفشي الروح الانسانية عندما اطلقوا مناشدتهم لدفع
خمسمائة الف جنيه استرليني لعملية الترميم.
انطلقت حملة انقاذ البيت وفتحه امام الجمهور في ذكرى ميلاده الـ 95 ولم تلق
الاحتفاء المتوقع فبدلا من استقبالها بترحاب لاقت على شبكة الانترنت حملة من
السخرية مع عدم التصديق ان الاسرة التي تستفيد من بيع كتب دال حتى الان لا تملك
المال لترميم البيت بنفسها. مع الشك في ان ازالة البيت بمجمله وايداع محتوياته
متحف محلي مهدى الى اعمال دال سيكلفهم مبلغ اكبر.
من احدى التعليقات على تويتر "انا احب روالد دال لكن نصف مليون جنيه
لترميم السقيفة؟ وحقوق المؤلف لا تغطي هذا؟" وعلى الموقع الالكتروني لصحيفة Daily Telegraph تصف تعليقات القراء عائلة دال بأنها بخيلة
وطماعة "دعوهم يرمموا سقيفتهم اللعينة بأنفسهم". وقد وجدت حفيدة دال،
عارضة الازياء صوفي دال، نفسها في مأزق حرج بعد ان وصفها القراء بالوحش الكبير
البخيل بعد تصريحها بأن عائلتها تريد مشاركة القراء ابداع وخيال دال اللامحدود.
تقول اماندا كونكي، رئيس متحف رولد دال في ميسندن العظمى بانجلترا ومدير
ممتلكات المؤلف الادبية "بعض الاشخاص يسألونني عن البيت وعن محتوياته واذا
كان سيبقى ليستطيعوا رؤيته".
والجدير بالذكر ان البيت مازال يحتوي على بعض مقتنيات دال مثل الكرسي الذي
كتب عليه دال مؤلفاته تشارلي ومصنع الشوكولاته، ماتيلدا، جيمس والخوخ الكبير
والمارد الودود الكبير، والوسائد الصفراء التي جلبها من الولايات المتحدة ليكتب
فوقها وكرة كبيرة بغلاف من ورق الفويل وبقايا حلويات كان قد امتصها في لحظات
الالهام.
كل هذا سيتم تجميعه ووضعه في المتحف كما تركهم عندما توفى في عام 1990.
برغم ان البيت نفسه الذي بنى عام 1950 بواسطة اصدقائه ينبغي الا يترك حتى يسقط
ويتهدم، فلقد بنى من طبقة واحدة من الطوب مغطاة بالبوليسترين لذلك فان الامل ضعيف
في ان يبقى لفصل شتاء اخر.
ترجمة واعداد: اميمة صبحي
نُشر في اخبار الأدب أكتوبر 2011
No comments:
Post a Comment