ما حدث في الجامعة الأمريكية اليوم في ندوة بعنوان علامة نصر عن المفكر الأسلامي نصر حامد ابو زيد ربما ليس له اهمية، ربما يكون أمر هامشي يمر مرور الكرام ولكني توقفت عنه ومنعني احترامي لكافة القامات التي كانت هناك من ابداء الغضب الشديد.
تم عرض فيلم وثائقي جيد جدا عن د. نصر حامد ابو زيد وفُتح باب المناقشة والأسئلة بعد الانتهاء منه. كانت د. ابتهال يونس زوجة ورفيقة درب د. نصر ذكرت قبل عرض الفيلم انها أسست مؤسسة لدراسة علوم القرآن باسم زوجها بعد وفاته. وكان سؤالي حول إمكانية تبسيط كتب وأفكار الدكتور نصر لتصل إلى العامة من خلال انشاء قسم داخل تلك المؤسسة لشرح وتبسيط الأفكار وأعطيت مثالا بكتابه دوائر الخوف الذي قراءته وأعيد قراءته مرة اخرى حاليا لتلخيصه وتبسيطه ونشره على مدونتي الخاصة ربما يصل لشخصا ما أراد الفهم وإعمال العقل. وتحدثت بإختصار عن التردي الذي وصل إليه خريجي الجامعات الحكومية وحاملي الماجستير والدكتوراه من حيث كل شئ تقريبا وكذلك المد السلفي الوهابي والأفكار الجهادية التي بدأت في الانتشار. وكيف إني كسيدة محجبة أعتبر في داخل السرب ومحافظة على تقاليده أخشى اني ربما لن استطيع ان امكث في هذا البلد طويلا اذا استمر الحال من التردي على ما هو عليه.
لم استطع إكمال فكرتي لأن هناك من قامت ونهرتني بقوة بصوت عال لأننا جيل جاهل لا يريد ان يقرأ وان هذه الفكرة ما هي إلا حماقة وان كتابات د. نصر بسيطة وسهلة ويمكن لأيا كان ان يقرأها دون عناء.. اعتقد انها تُدعى د. سيزا،. ومع احترامي الكامل لقامتها وسنها ولكن بعد هذا اتساءل لماذا الدهشة من الحجر على الأراء والأفكار من ما يسمى نفسه بالتيار الأسلامي؟!
انا كأميمة بشخصي آتية من بيئة شعبية بسيطة ولا أخجل ابدا من قول هذا. كل من حولي من خريجي الجامعات وربما لديهم قدر ضئيل من الوعي والثقافة وكلهم لا يعرفوا د. نصر حامد ابو زيد. وتعجبت جدا من دهشة كل من تحدث معي بعد الندوة من السادة الضيوف عندما عرفوا ان هؤلاء لم يسمعوا بدكتور نصر اصلا!
مقولة ان المثقفين والكُتاب جالسين في برج عاجي ليست مقولة من الفضاء بل انها مقولة تتأكد لي كل يوم عن سابقه. هناك فجوة شاسعة بين ما يطلقوا على انفسهم مثقفين وبين المصريين بشكل عام. لا أعرف ما المبرر القوي للتعالي في دولة لا تقرأ والمركزية الثقافية تتركز في القاهرة فقط.
عندما تحدثت مع د. ابتهال بعد الندوة قالت انها طلبت من د. نصر ان يبسط لغته ولكنه اعترض قائلا ان على الشباب ان يعاني من حتى يصل لهذا المستوى الفكري ويستوعب بنفسه. وكانت مؤيدة لرأيه قائلة ان لغته اكاديمية وان دورنا نحن كشباب ان نفهم افكاره ونعيد نشرها.
لا افهم ما كل هذا التعالي، ولا اقصد هنا د. ابتهال، من الكتاب والمثقفين لتبسيط افكارهم بدعوى ان العامة لابد ان يرتقوا بمستوى ثقافتهم. ألا تعرفوا إلى اي مدى وصل مستوى التعليم من تردي وتخلف؟ ألت تنظروا حولكم لتروا ان كل مشاكلنا حاليا تكمن في كم الجهل والتخلف؟ لو كان بيدي لكنت وزعت كتب مجانية في الشوارع ومحطات الاتوبيسات.
ما الفائدة من كتب تملأوها وتطبعوها ولا يقراها غير اصدقائكم وزملائكم من الصحفيين ومقالة هنا ومقالة هناك ومناقشة وندوة ومبروك أصبحت كاتب! بعد الندوة كان هناك حديث قصير مع الشاعر زين العابدين فؤاد. كنت انا وسيدتين آخرتين وللأسف لم يكن احد منا يعرف الشاعر وحدث ان أخطانا في اسمه اكثر من ثلاث مرات في دقيقتين فغضب بشدة وصاح فينا وكان الكلام موجه لي انا على الأدق قائلا "بتطالبي بتبسيط العلوم وانتي لا تقرأي شئ".. طبعا حاولت الاعتذار ولكنه مشى مبتعدا!
وانا ارى ان هذا يخدم فكرتي وليس ضدها، اعتذرت له بعدها بقليل وتحدثت معه عن مركزية الثقافة في القاهرة فقط واني انتقلت الى الاسماعيلية منذ زواجي ولم أجد هناك اي نشاط ثقافي فحدثني عن المركز الثقافي وابدى استعجاله الشديد. ولا أعرف كيف لأحد ان يتحدث عن المراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة كمراكز ثقافية.
السؤال ماذا فعل كل ما يطلق على نفسه مثقف لأنقاذ هذا المجتمع من كل هذا الجهل؟ الشاعر الكبير الابنودي يعيش في الأسماعيلية منذ سنوات، ماذا قدم لهذه المحافظة؟
محافظة كبيرة في أهمية أسوان لم يفتتح فيها اي مكان ثقافي إلا منذ أسابيع وهو مؤسسة ديارنا للتنمية الثقافية وهو مجهود فردي يشكر القائمين عليه وهو غير قابل للربح وقد اخذ منهم سنوات حتى يخرج للنور.
حدث أكثر من مشكلة بين مترجمين ودار الشروق وفي ندوة حول مشاكل المترجمين انعقدت في دار ميريت تم مناقشة أكثر من مشكلة. لماذا لا يجتمع المثقفون والمترجمون على مقاطعة دار الشروق حتى تلتزم بحقوق المترجم؟ من المعروف ان تلك الدار تدفع بشكل جيد للمترجم كما ان للكاتب نسبة من المبيعات والمعنى بين السطور لمن يريد الفهم.
منذ سنوات قليلة قامت مروة رخا بإطلاق حملة ضد دور النشر المصرية ودعت الى النشر الإلكتروني ومقاطعتهم. كانت مبادرة طيبة جدا ولكنها بالطبع لم تنجح ربما لانها لم تلق رواج بين مثقفي وسط البلد.
منذ عدة أسابيع قليلة قامت د. سحر الموجي بعمل ورشة كتابة بـ 1500 جنيه للفرد. مما يعني ان الكتابة أصبحت لطبقة معينة ويستمر التعالي!
لماذا لا يتم إطلاق مبادرة ونطلب من رجال الأعمال وكبار الكتاب ان يساهموا بأسهم في مكتبات يتم انشاءها على التوالي في المحافظات؟ انا اجد هذا اكثر اهمية من جائزة ساويرس ومن جوائز ساقية الصاوي وما شابه التي يتم توزيعها على كُتاب لا يعرفهم أحد خارج الوسط الثقافي وربما لا يعرفهم احد خارج "شلة" وسط البلد الثقافية. وهذه حقيقة اخرى لا يستطيع ان ينكرها أحد ان هناك كُتاب وشعراء مغمورين ولا يتم الكتابة عنهم لمجرد انهم ليسوا على "ليستة" شلة مثقفي وسط البلد. وكلنا نعلم تهافت الكُتاب على النشر في جريدة أخبار الأدب سابقا حتى يدخلوا من ذلك الباب/ الشلة. او يمانع أخرون تعاليا على تلك الشلة التي لن تقدرهم حق قدرهم.
اعود مرة اخرى لنفس السؤال، ما فائدة كتب تكتبونها وأبحاث وأفكار ولا احد يعرفكم خارج حدود القاهرة والأسكندرية؟ ماذا فعلتم لشعب غارق في الجهل والتخلف ولا يوجد مؤسسات/ مكتبات/ مراكز ثقافية جادة في المحافظات والمراكز والقرى؟ في معظم الندوات وحفلات التوقيع لا نجد غير الكُتاب الزملاء والاصدقاء والمجاملين فقط. إنها حقيقة لا يستطيع احد ان ينكرها
ربما ما حدث هناك أمر شخصي فقط بالنسبة إليكم ولكنه لم يمسني بشكل شخصي وغضبي كان على المنظومة الثقافية ووسط ثقافي اعتبره مسئول بشكل أو بآخر عن كل ما حدث في الثلاثين عام الأخيرة من تاريخ هذا الوطن.