Saturday, January 30, 2010

البطاقة الانتخابية، وماذا بعد؟

عرفت عن قرب مجموعة من الرجال والنساء متوسطي التعليم ومن ذوي المؤهلات العليا يذهبون الى مقر عملهم في احدى الشركات التي تم تخصيصها مؤخرا في اجازتهم الاسبوعية لمدة لا تقل عن شهرين متتاليين
السؤال الذي سينتابك الآن هو لماذا يذهب عدد غير قليل، حوالي50 فرد، الى مقر عمله بهذه الصورة المنتظمة في الاجازة الاسبوعية؟
كانت الاجابة صادمة لي ولا اعرف ما هو وقعها عليكم، فلتسمحوا لي ان اعود قليلا الى الخلف لاحكي ما عرفته،

يُحكى ان مدير احدى الهيئات التي كانت ومازالت بعد تخصيصها تتبع احدى الوزارات الحكومية طلب مبلغا يصل قدره الى ملايين الجنيهات لبناء متحف في مقر الهيئة الذي يديرها، متحف صغير وما به من مقتنيات لا يستحق كل هذه الاموال وكان المعتقد من العاملين هناك ان ما سيتبقى من هذا البناء سيوزع عليهم كمكافأة نظير لتعبهم الغير مباشر في تحمل مشقة هذا البناء ولكن يحدث مالم يحتسبوه ان المال قد نفذ قبل تكملة بناء الصرح ويبدو ان السيد المدير في مأزق ما وخوف من قضية مثل اهدار المال العام، فماذا يفعل؟

يأمر العاملين معه من خريجي الهندسة، اه والله هندسة، والتجارة والحقوق الذين يعملون سائقين لديه بأجر يومي او عاملين نظافة بأجر يومي أيضا وخريجي المعاهد العليا والمتوسطة والدبلومات، كلهم هناك سواء، ونعم العدل; يأمرهم بأن يأتوا في الاجازة الاسبوعية ليعملوا على اكمال البناء والتشطيبات اللازمة بعد صرف العمال الذين تم جلبهم خصيصا لهذا الغرض

وكان المشهد كالتالي، الرجال، كل الرجال، يحملون الطوب والاسمنت على أكتافهم ويصعدون فوق الصقالات لتكملة البناء اما السيدات، كل السيدات، فينظفوا المكان ويساعدوا في اعمال المحارة والنقاشة، استمر هذا الوضع لأكثر من شهرين والعمل يجري في الاجازة الاسبوعية على قدم وساق لان هناك وفد من الوزارة سيأتي لرؤية المتحف ولابد ان يكون الصرح منتهي بنفس المواصفات المُصدق عليها من الوزارة ودون طلب جنيه واحد اضافي بعد الاموال التي تم اهدارها

لماذا فعل الموظفون ذلك؟ هذا هو مبتغاي من كل ما رويته سابقا، مع التأكيد ان ما سبق ليس من خيالي ولكنه حدث بالفعل منذ عدة أشهر داخل احدى الشركات الخاصة التابعة لوزارة حكومية في قلب القاهرة عاصمة المحروسة

التستر على موظف كبير لابد ان يُحاكم بتهمة اهدار المال العام والخوف من فقد الوظيفة الرائعة والطمع في ترقية ما او علاوة او مكافأة او او او، اي جزء من الكعكة حتما سيفيد

هل هذه بلد نطالب فيه شعبها بعمل بطاقات انتخابية؟ وسن شعارات مثل "خليك ايجابي وعندك صوت"؟
صدفة ما جعلتني قريبة من هؤلاء الموظفون الذين يتراوح اعمارهم ما بين الخامسة والعشرون والستون عاما دون مبالغة، يمكننا اعتبارها شريحة تمثل المجتمع الان في احدى الشركات الفاسدة

مجموعة لم تستطع ان تقول لا لمدير فاسد ولم تستطع ان تقدم فيه بلاغ ولم تستطع حتى الاعتراض او الشكوى، مجموعة خائفة على المناصب الهاوية والرواتب الهزيلة والحياة العفنة وقبلت المذلة والاهانة بنفس راضية وقانعة تماما

هنا اقف وانا عاجزة عن الفهم، ماذا ستفعل بطاقة انتخابية مع هذه النفوس الغير قادرة على شئ؟ ولماذا تطلقون على أنفسكم "مثقفي مصر" وانتم تصرون على دفن رؤسكم في الرمال والابتعاد كليا عن الواقع؟
عذرا، فأنا لا اعرف ماذا بوسعي ان اقول او ان أطلق الالقاب على شخص ما مُصر ان يزين الكعكة بالكريم جانتيه والشكولا بينما هي فاسدة تُنز دودا أسود اللون
أليس من الاحرى ان نصلح الكعكة أولا قبل ان نزينها؟

ولن اتحدث عن من سننتخب، اصلا، لان هذا حديث آخر لن يسعه المقام هنا

Saturday, January 2, 2010

ظهور العدرا.. كنت هناك

صدفة ما جعلتني امر من امام كنيسة العذراء بمنطقة الزيتون مساء هذا اليوم، وقفت حين وجدت اسرة واحدة واقفة تنظر الى السماء وفي ايديهم الموبايلات سألتهم عن ما يحدث فأجابوا ان السيدة مريم العذراء ترفرف حول الكنيسة الصغرى المقابلة لكنيسة العذراء الكبيرة على ناصية شارع سلمان

كانت السماء مليئة بالسحب وثمة بقعة ضوء تتحرك على شكل نصف دائرة بشكل ثابت ورتيب، مر امامنا العديد من الاسر المسيحية التي كانت كما يبدو تصلي بالكنيسة، وقف منهم من وقف ومنهم من قال في اعتراض انه مجرد شعاع ليزر مسلط من مكان ما قريب الى السماء ولكن المؤمنين بحقيقة هذه الظاهرة كانوا يؤكدون ان بقعة النور آتية من خلف السحب الكثيفة لذلك لا يوجد مجال لاشعة الليزر هنا

سألت سيدة قريبة مني عن اسم هذه الظاهرة ففسرت لي انه مجرد نور نوراني مصدره العذراء اما التجلي فيكون بظهورها كاملة فوق قبة الكنيسة، فسألتها مرة اخرى عن اذا كانت قد رأت هذا التجلي الكامل من قبل ام لا، فأجابت بالنفي ولكنها أكدت لي ان زوجها قد رأها في عام 1968 بعد النكسة، لم تمض عشرون دقيقة حتى امتلأ الشارع بالآف المسيحين وارتفع صوت الزغاريد تحية للعذراء

تحركت من مكاني وانا ابحث في وسط الاسر والمجموعات الواقفة عن من استطيع ان اتحدث معه باستفاضة اكثر عن ما يحدث، كنت تقريبا المحجبة الوحيدة الواقفة بينهم فكانوا ينظرون الي ويبتسمون ويسألوني اذا كنت أرى بقعة النور ام لا، شعرت بترحيبهم وحاجاتهم لاثبات هذه الظاهرة حتى لا يسخر منهم أحد بعد ما حدث بعد تجلي العذراء في كنيسة الوراق

وقفت بجانب شاب آتى خصيصا من الصعيد ليذهب الى كنيسة الوراق لعلها تظهر هناك مرة اخرى، وقال بصوت مرتفع "أشكر ربنا انه جبهالي لغاية عندي هنا في الزيتون" ثم اتصل بصديق له ليبشره بالمعجزة مؤكدا ان لم يعد هناك حاجة للذهاب الى الوراق

أكد لي الشاب الصعيدي انه شاهد التجلي بعينه عام 2000 في كنيسة بأسيوط فكانت أم النور واقفة بكامل هيئتها فوق الصليب وسمعت حواره مع صديق له عن الحكومة التي اطلقت الطائرات في سماء اسيوط للتأكد من عدم وجود اي مصدر للضوء صادر من الارض وانها استعانت بأمريكا لاثبات ان النور كان قادما من السماء وليس ثمة تدخل من بشري واحدا على ارض مصر، كان بجانبي شاب آخر يتحدث مع صديق له في التليفون قائلا له الخبر وواصفا كم الحمام الذي يطير في السماء مصاحبا للنور
سألته بهدوء بعد انتهاءه من التليفون "انت شايف حمام؟" فقال بعد ثواني "لأ، بس هو اكيد هاينزل دلوقتي"، لم أر حمام نهائيا مرفرفا في السماء في هذه الليلة رغم علمي ان ظهور العذراء يصحبه دائما حمام منير

جاءت سيدة في الخمسينات وقالت لي "بيقولوا ان ده ليزر بس انا لفيت حوالين الكنيسة كلها ما لقتش اي حد مشغل ليزر ولا لقيت اي محل بيفتح جديد مثلا" لم أجيبها سوى بابتسامة صغيرة، وبعد قليل سألتها "تفتكري هي ليه حركة النور ثابتة في مكان واحد بس مش بتخرج عنه؟" فقالت في ثقة
"ما هو بقى لو كان ليزر كان اتحرك في اتجاهات مختلفة كتير"

بعد قليل بدأت الصلوات والتمجيدات تتردد في اصوات جماعية، اعترف اني كنت أشعر باثارة بالغة، لأول مرة ارى كل هذا الكم من البشر المجتمع فقط من أجل الامل، سيدة تقف خلفي تبتهل بصوت مرتفع
"ما تكسيفيناش يا ام النور، أظهري عشان خاطرنا"
كان صوتها يتردد في أذني من حين لأخر، فجأة ارتفع التهليل من حولي فأعتقدت ان هناك جديد، ولكني لم أجد اي جديد في السماء، نفس حركة النور الرتيبة لم تتغير وعندما سألت فتاة امامي عن ما حدث، أشارت للسماء وقالت
"بصي النور بقى لونه أزرق وبقى أقوى"

لم أشأ مجادلتها، ولكني لم أر اي ضوء أزرق في هذه الليلة أيضا ولم أفهم سر الجلبة التي حدثت، وقفت طوال ساعتين وانا اسمع القصص من حولي عن تجلي العذراء في الكنائس المختلفة، كنيسة العذراء بمسرة بشبرا وكنيسة العذراء بهليوبوليس وبالمرج وبعين شمس، العذراء تظهر فوق كل كنائس القاهرة التي تحمل أسمها، ولم يكن الظهور في ايا منها سوى بقعة نور متحركة تلك الحركة الرتيبة دون توقف

أخذت الاعداد تزيد في سرعة كما تزايد عدد قوات الشرطة خوفا من حدوث اي صدامات ولكني لم أر اي تجاوز حولي، فقط لمحت نظرة سعادة وحب في عيون الآملين في ظهور العذراء، فهمت مِن مَن حولي ان التجلي دائما يكون ليلا قرب الفجر وانها في الاغلب ستظل تدور حول الكنيسة حتى هذا الموعد فعارضت سيدة هذا الامر وقالت انها رأت العذراء اليوم من شرفة منزلها، فسألتها ان تحكي لنا ما حدث فقالت
"خرجت البلكونة لقيتها متجسدة في السما"
فسئلتها سيدة مسيحية أشتركت معنا في الحوار عن معنى هذا التجسد بالتحديد فقالت
"كانت واقفة وسط السحاب بشالها الازرق ولباسها الابيض بس من غير رأس"

للمرة الثانية لم أرد المجادلة، فاللونين الازرق والابيض هما لونين السماء في كل مكان في العالم، وأخذت السيدة تؤكد انها رأتها متجسدة اليوم في تمام الساعة السابعة والربع مساءا
"دي حتى جارتي المسلمة بقت مستغربة من المنظر"

حاول الجميع تصوير هذه المعجزة الجديدة ولكن الضوء كان باهت بعض الشئ وبعيد في عمق السماء لذلك لم تستطع كاميرات الموبايلات ان تلقط شيئا ورغم ثبات حركة النور قال شاب مسيحي لأسرته ان الضوء كان اقرب للكنيسة قبل مجيئهم، ورغم ان بقعة النور كانت دائرية الشكل يزيد حجمها ويتقلص في تتابع الا ان كل من حادث اهله او اصدقاؤه في التليفون من حولي أكد ان الضوء على شكل حمامة كبيرة

بعد مرور ساعتين كاملتين وتزايد الاعداد الوافدة لرؤية هذا الحدث، قررت الرحيل، كنت آمل ان اراها بشكل فعلي حاسم كما كانوا يأملون، قبل ان اغادر المكان سمعت رجل ورائي يقول بصوت منخفض
"هي ظهرت هنا عشان تأكد لكل المشككين انها فعلا بتظهر مش مجرد ليزر، بس يا رب تظهر كلها بوضوح عشان الناس تصدق"

في الطريق للشارع الرئيسي قبل قصر الطاهرة وقف الاف من المسيحين والمسلمين في الشارع وفي شرفات العمارات المطلة على الكنيسة والآراء تتأرجح ما بين مؤيد ومعارض، مصدق وناكر لما يحدث ووصلت للشارع الرئيسي ومازالت الزغاريد تعلو في السماء

Sunday, December 6, 2009

أحاتكوا بنكهة البرتقال

وانا جالسة القرفصاء أقشر برتقالة "بسُرة" استمتعت كثيرا بأحاتكوا المتناثرة يمينا ويسارا حول ما حدث في الجزائر ومن الجزائر
أحتين تلاتة هنا واربعة خمسة هناك، جعلوني أشعر براحة رغم فوران الدم الذي أصابني من جراء متابعة أخبار العائدين من الهولوسكوت الجزائري
بالطبع تتذكرون مشكلتي مع الالفاظ التي تقف حائل بيني وبين ذلك الشعور المنعش المريح الذي يصاحب التلفظ بها
لذلك أشكركم كثيرا وانا اتناول برتقالتي الشتوية التي أضافت نكهة محببة جدا لأحاتكوا بواو الجماعة

Sunday, November 1, 2009

لطخة صغيرة في ثمرة مخزنة

أو. هنري
قاص أمريكي وُلد تحت اسم ويليام سيدني بورتر في 11 سبتمبر 1862 في مدينة جرينزبورو بولاية نورث كارولينا حيث أمضى سنوات طفولته. اتصف هنري بغزارة الإنتاج, إذ نشر خلال حياته عشر مجموعات قصصية وحوالي 600 قصة قصيرة. عرَّفت هذه القصص فعلياً فن القصة القصيرة باعتباره شكلاً أدبياً مستقلاً, ولا يزال التلاميذ يطالعونها في المدارس الأمريكية ويترجمها المترجمون في العالَم أجمع إلى جميع اللغات الحية. تخلل إدمان الخمور واعتلال الصحة والمشاكل المادية سنوات هنري الأخيرة. توفي من جراء التليف الكبدي ومضاعفات مرض السكر وتضخم القلب بمدينة نيويورك في 5 يونيه 1910
. أقيمت جنازته في مدينة نيويورك غير أنه دفن في مدينة آشفيل بولاية نورث كارولينا.




O. Henry
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لطخة صغيرة في ثمرة مخزنة

للكاتب الأمريكي: أو. هنري
ترجمة: أميمة صبحي

كانت نهاية شهر العسل. الأرضية المغطاة بسجاجيد حمراء والستائر المزينة برسومات نبات الذرة والمنضدة المصنوعة من خشب السنديان فوقها ست أباريق وأغطية أوان مرتبة فوق حافتها. وكان الجمال يداعبهم بقربه منهم، فلم يحدث أن شاهد أيا منهما زهر الربيع الأصفر على حافة نهر، أنه جمال بدا لهم وكأنه.. أوه، أيا كان، فلابد من شاعر حتى يستطيع أن يستشعره بجانب هذا الزهر.

على الكرسي الهزاز تجلس العروس واضعة قدميها في وجه العالم بأحلامها الوردية التي تغلفها مرتدية ثوب فضفاض له نفس لون أحلامها. تتساءل في نفسها عن ماذا يقول الناس لبعضهم في جرين لاند وتسناميا وبيلوشيستان عن زواجها من كيد ماكجاري. وهل أحدث هذا أي اختلاف. فلا يوجد مصارع وزن ثقيل من لندن حتى كروس الجنوبي يستطيع أن يقف لأربع ساعات..لا، أربع جولات، مقارنة مع عريسها. العريس الذي كان رهن إشارتها لمدة ثلاث أسابيع حيث تكفي إشارة من عقلة إصبعها الصغير المعقوفة لتجعله يتمايل أكثر من قبضة رجل يزن 142 رطل.

الحب، عندما نمنحه، فانه الاسم الآخر لنكران الذات والتضحية، وعندما يتلقاه اناس بلا أي جهد فانه يعني الغطرسة والولع بالذات.

مرت العروس من فوق أحذيتها ونظرت بعمق إلى رسومات كيوبيد الملونة في سقف الحجرة ثم همست وكأنها كليوباترا وتطلب من انتوني مفاتيح روما في يديها بعد تزينها بالأوراق الملونة "حبيبي، كم أنا مشتاقة للخوخ"
نهض كيد ماكجاري وارتدى معطفه وقبعته، لقد كان شاب جاد ومهندم ورشيق و....عاشق، ثم قال بهدوء كما لو انه فقط وافق على توقيع مقالات لمحاربة بطل انجلترا "حسنا، سأذهب لأحضر لك واحدة"
"لا تتأخر، سأشعر بوحشة شديدة بدون فتاي الشقي" قالت العروس، "احصل على واحدة ناضجة ولذيذة". وبعد وداع طويل يلائم رحلة وشيكة لخارج البلاد، نزل الفتى الى الشارع.

هنا سيبدو تردده معقولا جدا، فبالنسبة لموسم ربيعي مبكر والشوارع والمتاجر باردة، تصبح فرصة الحصول على مبتغاه الشهي من زهرة صيفية ذهبية ضئيلة وبعيدة المنال. توقف في ركن متجر إيطالي للفواكه وأطلق عين هازئة على البرتقال المغلف والتفاح اللامع والموز الشاحب الذي في حاجة لبعض من أشعة الشمس. سأل الفتى البائع بلهجة عاشق إيطالي متيم "خوخ؟" فأجاب البائع بنفس اللهجة "أوه، لا، ليس قبل شهر قادم، اعتقد قريبا جدا، لدي الآن برتقال شهي. أتريد بعضا منه؟"

طارد الفتى مطلبه بازدراء، دخل جميع المطاعم والمقاهي الليلية حتى وصل إلى صالة البولينج التي يملكها جاستس اوكلاهان صديقه والذي كان هناك يبحث عن تسربات للغاز....
"أنا أريده بشكل جدي، فالسيدة العجوز مشتاقة إليه. كال، إذا كنت ستحصل عليه فليكن سريعا من فضلك، أنا أريده بشدة ويا حبذا لو في كميات"
"المكان ملك لك، كيد" قال اوكلاهان "ولكن لا يوجد به خوخ، موسمه قريبا جدا، لا اعتقد انك ستجده الآن في أي مكان في برودواي. انه لشئ سئ للغاية أن تتمنى سيدة نوع محدد من الفاكهة وكأن لا شئ آخر سيوافق شهيتها. على أي حال الوقت متأخر جدا لتجد أي من محال الفواكه ذات الدرجة الأولى مازالت تعمل. ولكن لو تعتقد أن عروسك قد تستسيغ بعض البرتقال الطازج فلدي صندوق من أفضل أنواعه، هذا لو أحبت هي..."
"يا له من جميل، يا صديقي مهمتي الآن هي إيجاد هذا الخوخ، عموما سأحاول بجهد أكبر"

كان الوقت تقريبا منتصف الليل عندما عرج الفتى إلى الجادة الغربية. القليل من المتاجر مازالت تعمل حتى هذا الوقت مع وجود الكثير من الاستهجان من مجرد فكرة الخوخ. ولكن عروسه مازالت تنتظر في حجرتها بثقة. أيعقل أن بطل الوزن الثقيل لا يستطيع إيجاد ثمرة خوخ؟ أيعقل انه لم يخطو بنصر فوق المواسم والأبراج والتقاويم ليحضر لها خوخ شهر يونيو؟

التقطت عين الفتى واجهة إحدى المتاجر المضاءة والمليئة بألوان طبيعية كثيرة رائعة. ولكن الضوء انطفأ فجأة فجرى الفتى بأقصى سرعته وامسك البائع قبل إغلاقه للمتجر. وسأله بتأن صارم "خوخ؟"
"لا يا سيدي، ليس قبل ثلاث أو أربع أسابيع من الآن، ليس لدي أي فكرة أين يمكنك إيجاده. من المحتمل أن تجد القليل في المدينة مزروعا في صوبة زجاجية ولكن من الصعب تحديد المكان بالضبط. من المحتمل أيضا أن تجده في الفنادق الكبيرة، إنها مكان ما حيث الكثير لتضيع عليه أموالك. لدي الآن برتقال شهي جدا جاءني على متن السفينة اليوم"

بقى الفتى في الركن لدقائق ثم اتجه بحده تجاه عامودين مضاءين بضوء اخضر محيط بسندات عمارة أسفل جانب الشارع المظلم. و سأل مكتب ضابط نظام قسم الشرطة "أيوجد شرطي هنا؟". في لحظات جاءه شرطي بهمة من الخلف مرتديا ملابس بسيطة ونشيط الحركة. "مرحبا أيها الفتى" قال الشرطي للملاكم "أوليس أنت صاحب الجولة الزفافية؟"

"كان ذلك بالأمس، أنا الآن مواطن عادي فحسب. اعتقد أني سأتجه للاهتمام بشئوننا الداخلية. إلى أي مدى يناسبك اقتحام مكان دينيفر ديك الليلة أيها لشرطي؟"
"لم يعد هذا يفيد الآن" قال الشرطي وهو يفتل شاربه "لقد تم غلق مكانه منذ شهرين"
"هذا صحيح" قال الفتى "لقد طارده رافتي خارج منطقة 43، ولقد عاد الآن ليلعب في منطقتك واتسعت لعبته كثيرا عن ما سبق. اعرف أن لعبته تهدد السلطة وأستطيع أن أضعك ضدها"
"يلعب في منطقتي؟" تذمر الشرطي. "هل أنت متأكد أيها الفتى؟ إنها خدمة سأقتنصها، كيف سنفعل ذلك؟"
"بالمطارق" قال الفتى " لم يضعوا أي حديد على الأبواب حتى الآن، ستحتاج لعشر رجال. لن يدعوني ادخل المكان. فدينفر حاول أن يستخدمني. لقد فكر في أنني أوشيت به في هجوم آخر، لم افعل، ومع ذلك. لابد أن تسرع، عليّ أن أعود لمنزلي، بيته على بعد ثلاث بيوت من هنا."
قبل أن تنقضي عشر دقائق تسلل الشرطي مع دستة من رجاله والفتى الذي يلعب دور الدليل إلى داخل رواق المبنى المظلم والحيوي الذي يعقد به الكثير من الأعمال على مدار اليوم.
قال الفتي هامسا "سأقود الطريق، الدور الثالث الخلفي". اتجه اثنان من الرجال الحاملين الفؤوس إلى الباب الذي أشار إليه.

"الهدوء يسود المكان" قال الشرطي في شك "أمتأكد من أن اتجاهك صحيح؟". قال الفتى وهو يشير إلى الباب "سنكسر هنا" ثم وجه كلامه للشرطي "من سيعرف إذا لم افعل أنا؟"
انهالت الفؤوس فوق الباب المكشوف. وتدفق بريق من الضوء من بين ألواح الباب المحطمة الذي سقط ودخل المغيرون إلى الحجرة وبأيديهم الأسلحة.

كانت الحجرة كبيرة مزودة بأثاث فخم مبهرج يشير إلى ذوق دينيفر ديك الغربي بجانب الألعاب المتنوعة المرصوصة في اهتمام وحولها حوالي خمسين رجل. هاجم الرجال الخمسين رجال الشرطة باندفاع شديد ليدافعوا عن أنفسهم فاضطر رجال البوليس لضربهم ضربة خفيفة بالهراوة فقام أكثر من نصفهم بالفرار.
كانت اللعبة مقامة على شرف ديك هذا المساء الذي قاد الهجوم ويبدو انه كان ينوي أن يدفع أجسام الجنود الضئيلة بقوة ولكنه حين رأى الفتى بدأ سلوكه أن يكون شخصي. بوصفه ملاكم من الوزن الثقيل فلقد ألقى نفسه بسرور على عدوه النحيل التافه وتدحرجوا سويا على السلم متشابكي الأذرع. وفوق منبسط الدرج تفرقا ونهضا، في هذه اللحظة حاول الفتى أن يستخدم مهاراته التكتيكية التي بدت غير مجدية أمام قبضة مصارع يزن 200 رطل يكاد أن يخسر معدات بقيمة 20.000 جنيه.

بعد أن افلت من خصمه صعد الفتى مسرعا وتخطى حجرة القمار إلى حجرة أخرى صغيرة متصلة بها عن طريق مدخل على شكل قوس. في الحجرة الصغيرة يوجد منضدة طويلة عليها آنية خزفية وطبق مائدة فضي يدلوا على ذوق رفيع بجانب بعض الطعام المتناثر بسخاء، طعام من ذلك النوع الذي يفترض تواجده في بيت أي رياضي محترف. استطاع أن يلاحظ في هذه الحجرة الصغيرة ذوق جنتلمان ذو لقب اسري له أصول مدنية.

وجد الفتى حذاء جلدي يحمل رقم عشرة في غير مكانه على الأرض وبينما يمسك به قبض، تباعا، على رجل أسود يرتدي رباط عنق أبيض وملابس توحي بأنه خادم.
"انهض" أمره الفتى "هل شاركت في إعداد هذا الغداء الشهي؟"
"نعم، هذا صحيح، لقد شاركت في إعداده. هل سيطلبون منا مزيد من العمل يا سيدي؟"
"على ما يبدو، استمع إلى، هل يوجد هنا أي ثمرة خوخ؟ إذا لم أجد هنا ساضطر للاستسلام"
"نعم، كان يوجد ثلاث دست عند بداية اللعب هذه الليلة ولكني اعتقد أن السيد قد التهمهم جميعا. إذا أردت أن تأكل برتقال معدل أستطيع أن أجد لك بعضا منه"
"تحرك بسرعة" صرخ به الفتى بتجهم "واحضر لي الخوخ فور إيجادك له أو ستواجه المتاعب. إذا تفوه أي شخص أمامي بأي كلمة أخرى عن البرتقال هذه الليلة سأصفعه على وجهه"
الغارة على حفلة دينيفر ديك المدبر لها بعناية كشفت عن ثمرة خوخ واحدة باقية أخيرة استطاعت أن تفلت من الفك المستمتع بطعمها الشهي المنتظر فرصته، وذهبت إلى جيب الفتى الذي غادر كباحث لا يتعب ولا يكل من اجل جائزته، ملقيا نظرة خاطفة على المشهد الذي يدور فوق الرصيف أدناه، حيث الضباط يقودوا سجنائهم داخل عربة الشرطة، ثم انتقل إلى البيت في خطوات واسعة سريعة.

كان قلبه مضيئا وهو يقطع الخطى. وانطلق كالفرسان العائدون لسيداتهم الجميلات بعد مخاطر وإنجاز بطولات عظيمة عائدا إلى كاميلوت. فلقد أمرت سيدته وكان هو طوع أمرها. صحيح، نعم، إنها مجرد ثمرة خوخ تاقت نفسها إليها، إلا انه لم يكن هناك ما يمكن فعله لإيجادها في منتصف الليل في مدينة شتوية حيث ثلوج فبراير متراكمة كطبقة من حديد. لقد سألته عروسه أن يجلب لها ثمرة خوخ وهي الآن في حوذته دافئة في يده يتلمسها بحرص شديد خوفا من أن تقع من جيبه ويفقدها.

في طريقه عرج إلى صيدلية وسأل الموظف الساهر بها "يا له من لهو، أتمنى لو ترى مدى إصابة ضلعي، أخشى أن تكون مكسورة. فلقد كنت في شجار صغير وسقطت درجة أو درجتين من فوق السلم"
فحصه الصيدلي. "لا يوجد أي كسور" قال مشخصا الحالة "ولكنك مصاب بكدمة هنا تبدو وكأنك ارتطمت بمكواة مرتين"
"حسنا" قال الفتى "اعطني فرشاة ملابسك من فضلك"

انتظرت العروس في ظل وهج المصباح الوردي اللون. لم تمض المعجزات كلها بعد، فبتمني شئ تافه مثل وردة أو رومان أو، أوه.... نعم، انه الخوخ، لقد أرسلت فتاها في منتصف الليل لعالم لا يمكنه الصمود أمام ملاكم الوزن الثقيل وهو قد نفذ أمرها. الآن يقف بجانب كرسيها ويترك ثمرة الخوخ بين يديها.
"أيها المشاغب" قالت بولع. "هل قلت خوخا؟ اعتقد أني كنت سأفضل البرتقال أكثر"

هنيئا لكِ إن كنت عروس.

Monday, October 19, 2009

جرأة الابداع

ثمة حقيقة ضمنية متعارف عليها في الخفاء وان كنا نتجاهلها وندير لها ظهورنا، ككل الحقائق التي نعيها بشكل جيد ولكننا لا نملك الجرأة للافصاح عنها، حقيقة ضمنية واضحة كشكل اصابع يدك، انها حرية المرأة، من قال ان المرأة اصبحت حرة وانها مساوية للرجل في الحقوق؟ انه تشدق بكلمات لامعة فحسب، انما كل امرأة تعرف انها مقيدة بقيود لامرئية حريرية جنزيرية في قسوتها وروعنتها
كتب الاستاذ أحمد الخميسي في عدد هذا الاسبوع في اخبار الادب مقال بعنوان
هل تتطور المرأة بالاوامر؟ كما كتبت الكاتبة نهى محمود في مديح الصابون والكتابة وبالتأكيد كتب آخرون عن سجن ابداع المرأة ومحاكمتها بناءا على ما تكتبه، لان ليس من اللائق ان تتحدث امرأة متزوجة مثلا عن مشاعرها ايا كانت هذه المشاعر احتراما لزوجها او تتحدث فتاة عن نفس هذه المشاعر لانها بذلك تتخطى الخطوط الحمراء المسموح بها
كيف، مثلا يتسنى لفتاة ان تكتب عن احاسيس جنسية عاطفية وكيف يتسنى لمتزوجة ان تكتب في نفس الموضوع؟ فاي كتابة سيتم خلطها مع حياتها الشخصية وتبدأ المحاكمات من هذا المنطلق العابث فتضطر المرأة كبح نفسها وعدم التعبير عما يجول في خاطرها وخنق ابداعها فقط لانها امرأة وتخشى نظرة الآخر/ الزوج/ الأب/ الأخ/ الصديق وهنا تلجأ لانشاء مدونة باسم مستعار حتى لا يتعرف احد على هويتها الحقيقية وتستطيع ان تكتب ما تشاء، واذكر اني اقترحت على صديقة متزوجة ان تنشئ مدونة باسم مستعار كحل اخير لتفريغ شحنات ابداعها الذي يقف زوجها امامه الا انها رفضت خوفا من زوجها رغم ان الحل عقيم ويلغيها بشكل أيضا "ضمني"
او كما كتب أ/ احمد الخميسي عن الكاتبة القصصية الموهوبة التي طبعت مجموعتها القصصية على حسابها باسم مستعار وأخفت نسخها عند صديقة توزعها في السر لان زوجها سبق ومنعها من النشر، سياسة المنع ولم يصبح، فقط، جسد وصوت المرأة عورة بل شمل هذا المعنى ايضا احساسها وابداعها وممارسة حريتها على الورق
الابداع من شأنه ارهاق صاحبه لأنه يعييه بحالاته العديدة والمتغيرة ولكنه من شأنه ان يشق عقل المرأة لانه ليس فقط يثقل كاهلها باعباء التعبير عنه الا انه لابد وان يكون مهذب مدرك لحدوده التي يرسمها له المجتمع بشكل ضمني والا ستكون عواقب ابداعها عميقة لن تستطيع اي امرأة ان تحتملها الا اذا كانت صاحبة ارادة استثنائية ووعي كامل بوجودها وروحها
فهل نمتلك تلك الجرأة وتلك الارداة؟ والى متى ستبقى؟ سؤال مازال معلق على مدى تفهم المجتمع/ الرجل بالطبع لاهمية حريتنا