Saturday, January 30, 2010

البطاقة الانتخابية، وماذا بعد؟

عرفت عن قرب مجموعة من الرجال والنساء متوسطي التعليم ومن ذوي المؤهلات العليا يذهبون الى مقر عملهم في احدى الشركات التي تم تخصيصها مؤخرا في اجازتهم الاسبوعية لمدة لا تقل عن شهرين متتاليين
السؤال الذي سينتابك الآن هو لماذا يذهب عدد غير قليل، حوالي50 فرد، الى مقر عمله بهذه الصورة المنتظمة في الاجازة الاسبوعية؟
كانت الاجابة صادمة لي ولا اعرف ما هو وقعها عليكم، فلتسمحوا لي ان اعود قليلا الى الخلف لاحكي ما عرفته،

يُحكى ان مدير احدى الهيئات التي كانت ومازالت بعد تخصيصها تتبع احدى الوزارات الحكومية طلب مبلغا يصل قدره الى ملايين الجنيهات لبناء متحف في مقر الهيئة الذي يديرها، متحف صغير وما به من مقتنيات لا يستحق كل هذه الاموال وكان المعتقد من العاملين هناك ان ما سيتبقى من هذا البناء سيوزع عليهم كمكافأة نظير لتعبهم الغير مباشر في تحمل مشقة هذا البناء ولكن يحدث مالم يحتسبوه ان المال قد نفذ قبل تكملة بناء الصرح ويبدو ان السيد المدير في مأزق ما وخوف من قضية مثل اهدار المال العام، فماذا يفعل؟

يأمر العاملين معه من خريجي الهندسة، اه والله هندسة، والتجارة والحقوق الذين يعملون سائقين لديه بأجر يومي او عاملين نظافة بأجر يومي أيضا وخريجي المعاهد العليا والمتوسطة والدبلومات، كلهم هناك سواء، ونعم العدل; يأمرهم بأن يأتوا في الاجازة الاسبوعية ليعملوا على اكمال البناء والتشطيبات اللازمة بعد صرف العمال الذين تم جلبهم خصيصا لهذا الغرض

وكان المشهد كالتالي، الرجال، كل الرجال، يحملون الطوب والاسمنت على أكتافهم ويصعدون فوق الصقالات لتكملة البناء اما السيدات، كل السيدات، فينظفوا المكان ويساعدوا في اعمال المحارة والنقاشة، استمر هذا الوضع لأكثر من شهرين والعمل يجري في الاجازة الاسبوعية على قدم وساق لان هناك وفد من الوزارة سيأتي لرؤية المتحف ولابد ان يكون الصرح منتهي بنفس المواصفات المُصدق عليها من الوزارة ودون طلب جنيه واحد اضافي بعد الاموال التي تم اهدارها

لماذا فعل الموظفون ذلك؟ هذا هو مبتغاي من كل ما رويته سابقا، مع التأكيد ان ما سبق ليس من خيالي ولكنه حدث بالفعل منذ عدة أشهر داخل احدى الشركات الخاصة التابعة لوزارة حكومية في قلب القاهرة عاصمة المحروسة

التستر على موظف كبير لابد ان يُحاكم بتهمة اهدار المال العام والخوف من فقد الوظيفة الرائعة والطمع في ترقية ما او علاوة او مكافأة او او او، اي جزء من الكعكة حتما سيفيد

هل هذه بلد نطالب فيه شعبها بعمل بطاقات انتخابية؟ وسن شعارات مثل "خليك ايجابي وعندك صوت"؟
صدفة ما جعلتني قريبة من هؤلاء الموظفون الذين يتراوح اعمارهم ما بين الخامسة والعشرون والستون عاما دون مبالغة، يمكننا اعتبارها شريحة تمثل المجتمع الان في احدى الشركات الفاسدة

مجموعة لم تستطع ان تقول لا لمدير فاسد ولم تستطع ان تقدم فيه بلاغ ولم تستطع حتى الاعتراض او الشكوى، مجموعة خائفة على المناصب الهاوية والرواتب الهزيلة والحياة العفنة وقبلت المذلة والاهانة بنفس راضية وقانعة تماما

هنا اقف وانا عاجزة عن الفهم، ماذا ستفعل بطاقة انتخابية مع هذه النفوس الغير قادرة على شئ؟ ولماذا تطلقون على أنفسكم "مثقفي مصر" وانتم تصرون على دفن رؤسكم في الرمال والابتعاد كليا عن الواقع؟
عذرا، فأنا لا اعرف ماذا بوسعي ان اقول او ان أطلق الالقاب على شخص ما مُصر ان يزين الكعكة بالكريم جانتيه والشكولا بينما هي فاسدة تُنز دودا أسود اللون
أليس من الاحرى ان نصلح الكعكة أولا قبل ان نزينها؟

ولن اتحدث عن من سننتخب، اصلا، لان هذا حديث آخر لن يسعه المقام هنا

1 comment:

  1. انا معاكى تماما
    ويمكن اكون واحدة من الى بتحكى عنهم
    طلعت بطاقة انتخابية بس لسه مش قادرة اغير الى حواليا و المجتمع الصغير الى بكون فيه و لكنى بامل فى تغيير المجتمع الكبير الذى احيا داخله
    يمكن عدم الاعتراض بيكون نابع من الخوف من النبذ او الرفض الجماعى
    مشكلتنا العظيمة فى هذه البلد
    ان طريقة تعليمنا وتربيتنا انشاتنا على الجماعة وعدم الانشقاق عنها وقتلت داخلنا روح المبادرة
    فنحتمى ببعضنا ونشعر بالامان فى وجود الاخرين
    ونفضل ان ننضم لحزب اللاعنين الساخطين مع قبول الوضع ولكن مع الاخرين و نخاف ان نقترب من الحق -الذى هو احق ان يتبع- ونبقى منبوذين
    عن نفسى احاول ان اطور من ذاتى وان اعمل على الا اكون مع الساخطين ولكنى حتى الان لم اقوى حتى اكون من المنبوذين
    وشكرا لهذا الموضوع الرائع

    ReplyDelete