Thursday, November 8, 2012

عزيزتي غادة

يوماتي اجلس امام المدونة في محاولة للكتابة لك او لأي كتابة اخرى ولكني اغلقها بعد دقائق واعاود لأمارس ما كنت افعله. شجعتني رسالة أمير لك لا اعرف لماذا! ولكني وجدت في الكلمات المترددة ما يجعلني انهي ترددي بدوري واكتب اليك. لم تكن مفاجأة لي اندهاش الجميع من الفكرة، فكلنا كففنا عن كتابة الرسائل حتى رسائل الموبايل لم نعد نتبادلها. اذكر وانا في العاشرة اني قررت اراسل صديقة ما، شجعتني امي على تبادل الرسائل البريدية مع صديقة اسوانية اخذت عنوانها من كتاب "سماش" . تبادلنا الكثير من الرسائل على مدى سنوات، ربما ثلاث او اربع سنوات، دون ان نلتقي ودون ان نسمع اصواتنا عبر الهاتف سوى مرة واحدة. كانت تجربة ثرية بالفعل وقد وددت كثيرا ان احتفظ بالرسائل ولكني لا اعرف كيف اختفت. ربما لم اكرر هذه التجربة مرة اخرى لأني حين قابلت "كريمة" في منزلي بالقاهرة حيث كانت في زيارة مع ابيها، لم اجد ملامح كثيرة من "كريمة التي عرفتها في الخطابات"، كريمة التي في خاطري لم تكن هي من قابلتها، لم تكن صداقتنا حقيقية ولا حبنا..اعتقد ان الخطابات لها سحر خاص يضفي لمسة دافئة زائفة على العلاقة..اذكر الان رواية "الحب في زمن الكوليرا" - التي لا احبها بالمناسبة - كيف ان البطلة شعرت بزيف حبها لمحبوبها بالمراسلة فور ان رأته وقالت له "لم يعد بيننا شئ، ولم يكن هناك شئ". الان اعرف شعورها نحوه واصدقها انها احبته بالفعل في وقت ما ولكن السحر انتهى مفعوله فور اللقاء.
هذا ما يجعلني اضع يدي على قلبي في كل مرة اذهب لألتقي مع شخص ما عرفته من الشبكات الاجتماعية، اخشى ان تكون صورتي الذهنية عنه مخالفة تماما للواقع، طوال الوقت اخاف من ان اكون انا الزائفة مخيبة الآمال..ربما لهذا السبب توقفت كريمة عن مراسلتي عقب اللقاء بقليل وانا ايضا، لا اخفي عليكي، توقفت عن الكتابة لها ولم اهتم بعدم وصول خطابات اخرى منها او البحث عن صديق اخر لمراسلته.
كما ان الكتابة الحسية لم تعد تناسبني، اصبحت واقعية كثيرا وكوني زوجة وام جعلني اشعر بمسئولية كل كلمة وحركة بما يتناسب مع المكانة الاجتماعية الجديدة التي اكتسبتها بمروري من هذا الباب الذي يمنحه المجتمع أهمية لا يضاهيها شئ. هل اشعر باختناق مع هذه الاوضاع الجديدة؟ ربما، ولكني لا اسمح لـ "أميمة" التي عاهدتها بان تستسلم لأي ضغوط، لذلك بدأت اكتب مرة أخرى واحاول ان اقنع نفسي ان بعض الكتابة "الحسية" بالتأكيد سيكون رائع، رائع للعودة الى نفسي. بدأت اكسر حاجز خوفي من اللقاءات الاجتماعية المباشرة وقابلت الكثير والكثيرات من اصدقائي الفيس بوكيين، وقد كنتي منهن، ملكة المفاجآت التي اثبتت اني يمكنني ان اتخطى "كريمة" بصدر رحب وابتسامة واسعة ترتسم على شفتي في كل مرة افكر في ان التقي بك مرة أخرى :)

دافئة وبداخلك طفلة صغيرة ظهرت وانتي تتبادلي الالعاب مع ابنتي، لا اصدق ان ضحكتي انطلقت هكذا معك من اول لقائنا رغم اننا بالكاد تحدثنا عبر الفيس مرات معدودة وانا ابدو في اول لقاء دائما متحفظة ومتلعثمة احاول ان اداري خجلي داخلي وانا اتذكر نصيحة العم رامون الى ايزابيل الليندي عندما كانت ذاهبة لحفلة راقصة والخوف يقف حاجز بينها وبين التعارف الاجتماعي "لا تنسي..انهم خائفون اكثر منك" ولكن تفشل المحاولة غالبا. ولا اصدق ان ابنتي لعبت معك بسهولة هكذا حيث انها تأخذ وقتها بالكامل حتى تتعود على شخص ما وتلعب معه. 
أشكرك على فتح آفاق بعيدة بهذا اللقاء وبهذه اللعبة حيث اني قررت اكتب رسائل لابنتي على المدونة..لا اعرف ماذا سأقول ولكني سأترك لها رسالة هناك كلما شعرت بأهمية ذلك. لعلي اتخطى حاجز الامومة المقولب والمنكه بنكهات مصرية آكل عليها الضهر وشرب فأبدو اقرب لها من مجرد ام عادية توفر الوجبات الغذائية والملابس فحسب.

المخلصة دوما:
أميمة :)

Sunday, October 21, 2012

ثوروا فُرادى


 رفض الابنة الكبرى لعق جسد كريستين كان بداية الشرارة التي اشعلت فضولها وثورتها الخاصة، فالرفض هو دائما البداية المجيدة. الثورة في المعجم الوسيط هي: تغيير أساسي في الأوضاع السياسية والاجتماعية يقوم به الشعب في دولةٍ مَّا. فالثورة فعل جماعي يقوم بها الجموع/الشعب لتغيير أوضاع مختلفة المستويات. لا وجود للفرد الواحد في التعريف المعجمي للكلمة. ودائما ما يتم تعريف الكلمة وفقا لمدلولاتها التاريخية فنجد ان تعريفها التقليدي وضع مع بداية انطلاق الثورة الفرنسية 1789، وطورها الماركسيون بما يتناسب مع فكرهم بان الثورة هي ثورة البروليتاريا/الطبقة الكادحة. فالثورة فعل سياسي بحت تنحصر تحت بند قيام شعب ما بالثورة ضد الحاكم الظالم... ونقطة. الرؤية المتعالية/زاوية عين الصقر في فن التصوير لفعل انساني مثل الثورة تحيلها الى سطور في الكتب والمعاجم. الثورات كالحروب قام بها اعداد غفيرة ووقع تحت اقدامها الكثير ولكنها تختلف ان فعل يثور فعل له ارادة، فالثائر خرج من بيته بارادته، تمرده الكبير ضد السلطة ،في رأيي، نشأ من تراكمات تمردات اصغر واقل ثورية ولكن المحارب بالطبع دفع به دفعا باستثناء المحاربين لحماية/استرداد حق ما. فطوبى للثائرين في كل مكان الذين درجت اسمائهم تحت ارقام الشهداء والمشاغبين


.

تبدأ الابنة الكبرى في استغلال كريستين ومساومتها، اعطيني اكثر لالعقك والا سأخبر والدي. وتنجح في وضع يدها على شريطي فيديو نستنتج من تفاعلها مع اخويها انهما عن فيلم ربما يدور حول الملاكمة. شغفها بالمعرفة هو ما يحركها فتتحس خطها لغرفة امها وتكتشف التليفون لأول مرة في حياتها. وتبدأ الثورة بعد ان تكسر الناب لتخرج من الشرنقة الى الحياة في شنطة سيارة والدها. تبدو لي عائلتها كالدولة العثمانية التي عانت من مرحلة تخلف واضحة في أوائل القرن التاسع عشر، وأسماها المؤرخون بـ(الرجل المريض)، وكان هذا الضعف يوازيه ازدهار وتقدم في أوروبا، وبدأت أوروبا تطمع في أملاك هذا الرجل المريض لكي تمد الحركة الصناعية عندها بالخامات، فكانت الحملة الفرنسية على مصر(1798م– 1801م) هي إحدى البدايات المؤسِّسة لمعرفة الآخر، وقد كانت المواجهة بين البندقية والسيف، هي بالأساس مواجهة بين حضارة ناهضة واعدة، وحضارة آفلة، ومنذ تلك اللحظة بدأ المجتمع العربي يعي أنَّ هناك آخر ناهضاً، وحضارة غربية قوية، وهنالك بدأ البعض يعي طبيعة الانحطاط والتدهور الذي يعيش فيه العالم العربي. الحملة الفرنسية التي كانت بمثابة شريطي الفيديو الذين تم التساوم عليهم أبهرت المصريين بشدة فمصر كانت في واقع بئيس، حيث أسوأ حالاتها الفكرية والروحية والسياسية والعسكرية، ولذلك لما واجهت الحملة الفرنسية وهي على ذلك الحال حدث الانبهار الحقيقي بتلك الحملةِ الذي ما زالت آثارُه ممتدةً لدى بعض المثقفين حتى الآن. ويصور المنفلوطي الصورة التي انتهت إليها الحال بعد مجيء الحملة الفرنسية حيث يقول: "وأصبح السيد في بيته يستحي من خادمة غرفته الأوروبية أن تطلع على جهله بعادات قومها في خلع الحذاء ولبس الرداء أكثر مما يستحي من الله عز وجل".  فقد حدث نوعٌ من الانبهار الحقيقي الذي عبَّر عنه الإمام البنا في بعض رسائله الإعجاب بالخصم إعجابًا يؤدِّي إلى تقليده في كل ما صدر عنه. ارباب العائلة اليونانية/الدولة العثمانية التي نشرت الجهل والتخلف او على الاقل لم تمنع انتشاره، الابنة الكبرى (الفرد)/الشعب الذي وقف فارغا فاه امام شريط الفيديو/الحملة الفرنسية. يمكننا اعلاء قيمة الفرد في هذه الحالة الثورية بذكر على سبيل المثال رفاعة الطهطاوي الذي ولد ابان الحملة الفرنسية المدهشة وكان سفره لفرنسا نقطة تحول لمسار حياته وثقافته ودعوته للتثقف والعمل.

السينما هي الكتب التي خلدت الفرد الثائر مقابل التاريخ الذي لم يتبق منه غير الجموع المرئية بعين الصقر. فيلم "ناب" 2009 للمخرج اليوناني   يورجس لانثيمو. يبدأ بصوت الام وهي تشرح بعض معاني كلمات جديدة ليتعلمها اولادها الذين تجاوزوا سن المراهقة بشهور قليلة على ما يبدو لنا. تقول لهم ان "بحر" تعني الكرسي الكبير وان "النزهة البرية" تعني المادة شديدةالمتانة....وهكذا يتم تشويه الوعي الجماعي لهؤلاء الشباب في بيت كبير مسور بسور عالي في منطقة نائية بعيدة عن الناس حيث لا يوجد شئ او احد. تأتي كريستين من العدم فقط لتشبع رغبة الابن الجنسية الذي تعامل معها الابوين كرغبة حيوانية لابد ان يتم اشباعها من حين لاخر ومن هنا تكون كريستين الوصلة الوحيدة بين 
الابنة الكبرى وبين العالم الخارجي


.

النماذج السينمائية على الثورة الفردية كثيرة. حيث الوعي العقلي الأوحد في أجمل تجاليته الانسانية واحساسه بتفرده وامكانيته لاحداث التغيير على المستوى الشخصي الذي سيقوده حتما للثورة الجماعية التي تكتب التاريخ. يراودني فارس/الحريف الثائر للمخرج محمد خان 1983 الذي اراه ثائر فاشل لا يرقى لكتابة تاريخ وسط مجموعة. فارس الذي استسلم للقيود الاجتماعية واذعن الى الاستقرار والكف عن اللعب/خلاص يا بكر..زمن اللعب راح. انها حالة الكف عن الثورة والعودة الى زوجته/المجتمع الذي لا يتقبل فردا يفضل لعب "كورة الشارع" على ان يكون "صنايعي وكسيب". يقابله نورا في رسائل البحر للمخرج داوود عبد السيد التي يعصف ذهنها كل ليلة ويهزمها ضعفها، أتبقى زوجة ثانية تنال احترام الجموع التي يسيل لعابها امام اللقب رغم عدم احترامها لنفسها واحساسها بانها فتاة ليل تلعب بجسدها؟



اما تخسر احترامهم وتصنع ثورتها الخاصة وتكسب نفسها؟. نورا خسرت الجموع امام جموح الثورة اما فارس فخسر نفسه ليكسبهم. انها الاشكالية التي ابينا التعايش معها خلال ثورتنا، الرضوخ لدعاوى الاستقرار وترك مبارك لآخر مدته ام المضي قدما بمفردنا!. اعرف ان الميدان طالما ضج بمناقشات صاخبة، اين نحن؟ هل نكمل ام نتوقف؟ وطالما كنا وحدنا، سواء في الميادين الواسعة بالمدن أو الميادين الواسعة بعقولنا من داخل البيوت. كيف يتسنى لايام عظيمة كهذه ان ترمي بنا الى هذه الضحالة؟. انه الحزن المصاحب للثورات بلا شك.

دائما ما استوقفني الفيلم الصادم "الحالمون" للمخرج الايطالي برناردو برتولوتشي، فيلم ذو ثورة صادمة ربما على ما نعرفه من قواعد وانظمة بشرية. يبدو لي اجمل ما صور الثورة يوما. الثورة هنا مختلفة، انها للداخل. لا تستسيغ الواقع كثيرا فتغرق في احلامك وتبتعد عنه وتكسر كل قيوده. كما ان الفيلم يضع الثقافة والحرية الاوروبية امام نمط الحياة الامريكية.



فهناك ماثيو الامريكي الذي يدرس في فرنسا وليس لديه اصدقاء ويتعرف لاحقا على ايزابيل وثيو الاخوين الفرنسيين وينتقل ليعيش معهم. في البداية ينزعج من نمط حياتهم البوهيمي الثائر على النظام المفترض تطبيقه ثم يبدأ يندمج معهم ولكنه حائر في حالة عدم استيعاب لما يحدث. وتدريجيا ينسحبوا جميعا من الواقع وينغمسوا في حبهم للسينما الكلاسيكية واعادة تمثيل وتقليد المشاهد. ثورة كاملة، نومهم عاريا متجاورين وممارسة ماثيو وايزابيل الجنس بشكل فوضوي، لا مجال للطعام والنظافة والنوم وفقا لمواعيد ثابتة، لا مجال للحياة الروتينية المنتظمة الايقاع المملة ذات القواعد الثابتة التي تعارف عليها البشر واقرتها الاديان. انما ثورة على هذا ربما في محاولة لايجاد حياة موازية اكثر اتساعا ورحابة لحرية ورغبات الانسان الجامحة. لا يخرج الاخوين الى الواقع غير بحدوث انتفاضة مايو 1968...توقفوا عن ثورتهم الداخلية ليكونوا في الصفوف الاولى للثورة الكبرى الامثل بالنسبة لهم. لم يفهم ماثيو الامريكي اصرارهم على المشاركة في الاحداث، الحلم الامريكي المكتمل الذي لا يبحث عن الحرية لانها بالفعل موجودة والذي ربما لا يفهم سعي الشعوب ورائها بهذا النهم والشغف. يذكرني بمقولة ماري انطونيت الشهيرة "ياكلوا جاتوه"!.

 وتبقى الثورة فعل فردي مقدس بالاساس لن يقوم بها الجموع الا اذا اختبروا الثورة الفردية اولا.

أميمة صبحي



Wednesday, October 17, 2012

جحا الاذربيجاني ثائرا..

Slavs and Tatars* 

مجلة ملا نصر الدين الساخرة واحدة من أهم المساهمات في الأدب والثقافة الاذربيجانية وقد بدأ ظهورها في اوائل القرن العشرين تحديدا في 1906 واستمرت حتى 1930. كان يحررها الكاتب جليل مامادجلزدي (1866 – 1932) والذي سُمى نصر الدين لاحقا. ولكن من هو نصر الدين؟، هو رجل صوفي يصوره البعض كالمجنون أو الاحمق وهو معروف في الأدب العربي باسم جحا وبنصر الدين خوجه في تركيا وملا نصر الدين في ايران وكوردستان وغابروفر في بلغاريا وأرتين في أرمينيا وآرو في يوغسلافيا. فهو شخصية ذات حضور في هذه الآداب ومعروف بالنقد اللاذع للسلطة الحاكمة.
انتقدت ملا نصر الدين نفاق رجال الدين الاسلامي بشدة وفساد المرتشين من النخبة كما هاجمت السياسات الاستعمارية للولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية تجاه بقية العالم. وناقشت مرارا وتكرارا قضايا غربنة الشرق واصلاح التعليم وقضايا حقوق المرأة. نشر مثل هذه الرسومات الكاركاتورية اللاذعة التي تسخر بحدة من رجال الدين في بلد اسلامي في بداية القرن العشرين كان لا يمكن ان يتم بدون اي اخطار تواجه فريق التحرير. فطالما تعرضوا الى المضايقات وتم مهاجمة مكتبهم اكثر من مرة حتى ان مامادجلزدي اضطر الى الهرب من متظاهرين اغضبهم محتوى المجلة. 

 تمكنت هذه المجلة من توجيه خطابها الى المثقفين بجانب العامة واستطاعت ايضا ان تحقق نجاحا فوريا وقد اصبحت اكثر المجلات تأثيرا وربما كانت الاولى من نوعها عبر العالم المسلم من المغرب الى الهند. تتكون المجلة من 8 صفحات نصفها تقريبا كان رسوم كاركاتورية وفنية الامر الذي جعلها في متناول اكبر عدد من الجماهير حتى الأميين. وكأي مطبوعة ثقافية متميزة الانتاج كانت تحتوي على وجهات نظر متنوعة، متعددة الاصوات، كما انها متعددة اللغات والافكار والهويات حتى ان محرريها كانوا دائمي التنقل بين جورجيا وأذربيجان وايران. 

في الوقت الذي ساعدت فيه على خلق ثقافة فكرية اذربيجانية جديدة كانت ايران من اكثر الدول التي لها اثر في المجلة فلقد ركزت بشراسة وبلا هوادة على فساد سلاسة القاجار وهي سلالة تركمانية من الشاهات حكمت ايران من 1796 الى 1925. وقد كانت المقالات والرسومات الكاركاتورية بمثابة ديباجة لاحداث الثورة الايرانية الدستورية 1906 – 1910 والتي نتج عنها انشاء اول برلمان في آسيا.



خلال عقدين ونصف من نشر ملا نصر الدين كانت اذربيجان على صفيح ساخن، في قلب المجادلات والمعارضة، خلال هذه الفترة انتقلت المجلة من مالك لاخر اكثر من مرة كما تغير عنوانها. وبحلول عام 1920 غزا السوفييت العاصمة الاذربيجانية، وقد عانت السياسة التحريرية والفنية للمجلة الى حد كبير واُجبرت على الانصياع لأوامر وسياسات الحزب البلشفي. فقط ثلاث اعداد تم اصدارهم عام 1931 وبعد فترة وجيزة أغلقت أبوابها للمصلحة العامة. كانت مجلة عظيمة صعب تقييم أثرها العميق. فقد ألهمت ملا نصر الدين مطبوعات مماثلة من البلقان حتى ايران وصربيا. ونحتت المجلة الاذربيجانية "ارشاد" مصطلح "ملا نصردينية" Molla Nasreddinism ليصف مدى تأثيرها وكيف وضعت بصمة ورؤية في النقد والمعارضة.




"Sister, look how lucky they are: they have windows!"


Germany (tiger), Spain (fox), England (lion), and France (wolf) surround Morocco (half-man, half-animal), 
ready to pounce.


“I better hurry up and cover freedom faster so that no flies manage to sit on it.”


"We won't let you move forward."


"Listen, son, go buy a copy of Molla Nasreddin but don't tell anyone."

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
  هي مجموعة تهتم بالاداب الخاصة بشعوب السلاف واحفاد التتار وهي الدول الواقعة جغرافيا من شرق حائط برلين السابق حتى غرب سور الصين العظيم.

إعداد وترجمة: أميمة صبحي

Friday, September 28, 2012

مائة عام من النيون


تذكرني اللمبات النيون بفترة التسعينيات، عندما قرر ابي
ان يغير كل النجف في شقتنا الصغيرة الى النيون وقد كانت ثورة حينذاك في عالمنا بعد الضوء الاصفر الذي كاد ان يعميني. جاء القرار بعد إلحاح مني بعد ان قال مسيو اللغة الفرنسية الذي كان يأتي ليعطيني درس خصوصي في اللغة "لو ماركبتوش نيون انا مش هاجي تاني" وبالطبع كان مستقبلي في الثانوية العامة اهم من فاتورة الكهرباء الشهرية. اللمبات النيون تحتفل بعيد ميلادها المئوي هذا العام فلقد تم اختراعها عام 1911 بواسطة المهندس الفرنسي جورج كلاود (1870 – 1960) والذي يلقب بأديسون فرنسا. سجل براءة الاختراع اول مرة في مارس 1910 وكان اول ظهور للمبات النيون الكبيرة في معرض باريس للسيارات في ديسمبر 1910. ولقد شكلت هذه اللمبات ظاهرة ثقافية في الولايات المتحدة في هذه الفترة، بحلول 1940 كانت كل المدن في الولايات المتحدة الامريكية تقريبا مشرقة بالنيون وقد عرف ميدان التايمز على مستوى العالم باضوائه المبهرة. وقد انخفضت شعبيتها ابان الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) لكن الاضواء المبهرة حافظت على وجودها بحيوية في اليابان وايران وبعض الدول الاخرى.





ميامي في الغروب.



"هارت بريك" كافيه باللون احمر دامي حيث يمكنك ان تعالج بؤسك الخاص بمشروب.



مطعم في نيويورك



مطعم كركند "سرطان البحر"



عدة لافتات نيون مركبة من مسرح برودواي 1939.



ميدان التايمز 1955، نيويورك.



خارج مسرح استور حشد ملتف حول دعايا لفيلم من افلام الفريد هيتشكوك.



بريطانيا ايضا تتألق بالنيون. ميدان بيكاديللي 1950.



مولان روج خلال فترة السيتينيات. باريس، فرنسا.



يافطة نيون ترحب بزوار رينو، ولاية نيفادا



فندق باتيس،
 من فيلم
 Psycho لافريد هيتشكوك،
 1960.



الممثل توم وايتس من احد مشاهد افلامه
 "One from the heart” 1982



مطعم
 Munson Diner 1997،
 في محاولة لتقليد الحياة الاميريكة في اواخر الاربعينات واوائل الخمسينات.



مطار شيكاجو الدولي



اعلان سجائر كاميل فوق كافيتيريا ببرودواي، نيويورك.



برلين 1985.



ميامي 1972



ترجمة: أميمة صبحي

شعر أكرت قصير


لن يمنعها الإفطار أو تنظيف الشقة من الذهاب لصبغ شعرها الأكرت القصير، هكذا حسمت الخلاف بداخلها وهي تتأمله في المرآه الصغيرة فوق الحوض. ارتدت عباءتها على عجل ونزلت بخفة لا تناسب حجمها على السلم وهي تنادي جارتها أم محسن.
"يالا يا اختي..إنجي زمانها اتزحمت على الاخر"
"ما قلت لك هاتي الصبغة وأنا اعملك بالليل"

تجاهلتها بقصد وهي تتذكر النتيجة الكارثية لأخر مرة استسلمت لأيدي أم محسن منذ شهور، تجاذبا أطراف الحديث حول العيد وفرش السجاجيد والستائر وهما في طريقهما لإنجي ولم يستغربا كثيرا من ازدحام المكان. الغرفة الصغيرة المطلية بجير أصفر فاتح وتزينها خيوط العنكبوت في الاركان، بينما يقبع في أقصى اليسار خلف الباب حوض صغير انطفأ لونه الأصلي وبدا رماديا عطنا، والمنتظرات متكئات على الكراسي الخشبية المتهالكة، ولا شئ يمنع بعض أطفال الصراصير من اللعب في المكان بنشاط وحذر، وأخيرا إنجي واقفة أمام المرآة المثبتة على الجدار المقابل للحوض ومنار تقف أمام المرآة المجاورة..حاسمات ومفرقات النسوة عن بعضهن حينما يحين وقت الشجار حول من "عليها الدور". 

إنجي ومنار صانعات الجمال في ذلك الكوافير الصغير الذي لا يختلف عن أبهى مراكز التجميل في نظر المترددات عليه بإنتظام. الاهتمام بجمالهن خلق نوع من المودة والألفة بينهما وبين الزبونات. كان أخر نهار في رمضان ولكن إنجي لم تخجل إطلاقا من اعلان إنها "فاطرة" وأن الدولاب الصغير تحت الحوض به "بن ونسكافيه وشاي وغلاية" لمن تريد أن تشرب شيئا يسلي صيامها. وتنقلت الأكواب من يد ليد في خفة، فلقد كانت صدفة أن معظم المنتظرات لديهن أعذارهن.

خفة "الفتلة" وسرعتها في يد إنجي تؤهلها للعمل في إعلى مراكز التجميل أجرا ولكنها لن تترك صديقتها منار صاحبة الكوافير لأي سبب كما إنها تعودت على الزبونات وعرفت رسمة حواجبهن وجبهتهن مما أتاح لها العمل في يسر ونجاح. هنا تعرف مدى أهميتها، تدرك تماما أن من جلست تحت يدها مرة لن تذهب لأخرى إلا لأسباب قهرية، من هنا استمدت قوتها وفرضت السيطرة على منار نفسها. وقفت أم محسن بجانبها تراقب حركة أصابعها بتركيز، لم تنسى أبدا حلمها أن تزين العرائس ليلة فرحهن. لم تنسى الشعيرات الصغيرة التي أزالتها للكثيرات قبل الزواج. ولم تغفر لزوجها عدم موافقته على عملها بعد الزواج بحجة أن "شغل الكوافيرات" هذا لا يناسب العائلات المحترمة. فمارست هوايتها على الجارات والقريبات وهي تعرف إنها محترفة وإنها لتكون أبرع من إنجي لو أتيحت لها الفرصة.

من وقت لآخر يتعالى صوت المنتظرات في صياح جماعي بأنهن متأخرات والمغرب أصبح وشيك وغدا العيد ولم يفرشن السجاجيد بل أن واحدة منهن قالت إنها لم تغسل "قيشاني" الحمام حتى الآن. لم تلتفت إنجي لهن ومارست عملها في صمت بينما حاولت منار تهدئة الموقف وهي تحكي مغامرات أولادها الثمان. فعلقت إحداهن على كلامها "إنت بصراحة أوفر يا منار..أنا مش فاهمة إزاي بعد كمية التوائم دي حملتي تاني؟"
"يا أختي!..كل عيل بيجي برزقه"

طالت الجلسة ولم يتوقف الحكي بإنتهاء إحداهن ومغادرتها الكوافير بل يتصل بأخرى منزلقة للتو من خلف الستارة البنية المتسخة ذات الرقعيتن الخضر والتي تعمل عمل الباب في أوقات العمل. وتمازجت رائحة الصبغة التي تشبه رائحة القش المحترق ورائحة الشعور المتسخة مع رائحة الشاي والنسكافيه البلاك لعدم وجود لبن. وتقول الأسطورة إن كلما اتسخ الشعر أكثر كلما تماسك لون الصبغة وازداد لمعانا.

الوجوه الملتهبة من فرط لذة الأنوثة الحالمة بنعومة بادية للعيان لا تتردد أبدا في احتمال الألم وتظل صامدة تحت ضوء اللمبة النيون المتراقص. ولا تخلو المرآة من وجه يتحقق من مدى النعومة ويعود مرة أخرى تحت الفتلة لوجود شعرة استطاعت أن تفلت من قرار الإزالة الدوري. الأكثر خجلا هن الآنسات ويتلخص همهن في كيفية الخروج للشارع بهذا الوجه الملتهب وهن يعرفن أن الشباب على الناصية المجاورة واقفون ليتأملوا الوجوه النظيفة في حرص. أما المتزوجات فلا يبالين بهؤلاء الاطفال ورأسهن مشتعل بليالي مثيرة تتبع  عمليات التنظيف هذه. المنتقاب بكل تأكيد هن الأسعد حظا بينهن"بتيجوا وتمشوا كده ولا حد عارفلكوا حاجة"

وصبي تجاوز التاسعة من عمره جالس في حجر أمه ينظر بخجل ومتعة خفية للسيدات المستسلمات ويستمع للآهات المكتومة وبعض الكلمات الأباحية التي تلقى على مسامعه من آن لآخر..تخلع أمه حجابها ويراها أجمل الموجودات بشعرها البندقي المسترسل على ظهرها، يتملكه الخجل، فيطلب منها الإذن في الوقوف على باب الكوافير رافضا أن يستمع لآهاتها. طالما ترجاها لأن لا تصطحبه معها لمثل هذه الأماكن بلا استجابة. بالكاد سمحت له أن ينطلق وهي تخشى أن يتوه وسط الحارات.

أصبح لون الشعر الأكرت القصير أحمر ناري لا يليق على لون البشرة التي لفحتها نار البوتجاز وزيت التحمير ولكن صاحبته كانت بالفعل سعيدة بينما تنظر إليها أم محسن وهي تمصمص شفتيها قائلة في همس "ما أنا كنت هاطلعه كده وأحسن كمان"، غادرا سويا بعد دفع الحساب كما جاءا سويا وهن أكثر ثقة في جمالهن بعد التنظيف والتجديد، حاولا جذب أطراف الحديث مرة أخرى ولكن الرأس الأحمر مشغول بلون قميص النوم الذي يناسب المظهر الجديد في وعد لنفسها بليلة جنسية فاخرة بينما أم محسن تتسائل عن أحوال محسن الصغير وفي الخلف تردد آذان المغرب ليعم المكان.