حوار أليس مونرو مع باريس ريفيو - 1994
الجزء 1
لا يوجد طيران مباشر من مدينة نيويورك إلى
كلينتون، اونتاريو الكندية، حيث تعيش مونرو الحقيقية معظم أوقات العام. تركنا لاجوارديا
مبكرا في أحد صباحات شهر يونيو، واستأجرنا
سيارة إلى تورنتو، وقمنا بالقيادة لمدة ثلاث ساعات في طرق أخذت تضيق بنا وتتحول للريفية. بقرب
الغسق، وصلنا إلى منزل مونرو الذي تعيش فيه مع زوجها الثاني، جيري فرملين. للمنزل ساحة
خلفية كبيرة وحديقة ذات أزهار غريبة وكما وضحت لنا، فإنه المنزل الذي وُلد به
جيري. في المطبخ، كانت مونرو تعد وجبة خفيفة بأعشاب محلية عبقة. غرفة المعيشة مبطنة
من الأرض للسقف بالكتب. في الجانب طاولة صغيرة فوقها آلة كاتبة يدوية. هنا تعمل مونرو كأليس مونرو الإنسانة.
بعد
برهة من الوقت، اصطحبتنا مونرو إلى بلدة جودريتش الكبيرة، مركز المدينة، حيث أقمنا
في فندق بيدفورد في الميدان المقابل للمحكمة. مبنى الفندق يعود إلى القرن التاسع عشر
وغرفه مريحة (سريرين ولا يوجد مكيف). بدا لنا أنه ضم شخصيات من قصص مونرو مثل أمين
المكتبة أو المعلم. خلال الأيام الثلاث التالية، تحدثنا في منزلها، لكن دون شريط مسجل
إطلاقا. فلقد أجرينا الحوار في غرفتنا الصغيرة بالفندق، لأن مونرو أرادت أن تبقى "العمل
خارج المنزل".
كلا من مونرو وزوجها نشآ على بُعد 20 ميل من هذا المنزل الذين يعيشون
به الآن. يعرفان تقريبا تاريخ كل مبنى عبرنا من أمامه، أو أشدنا به أو تناولنا طعامنا
بداخله. سألنا عن شكل المجتمع الأدبي في تلك المنطقة، وبالرغم من وجود مكتبة
هناك في جودريتش، إلا أنها أخبارتنا أن أفضل مكتبة قريبة كانت في ستراتفورد، على بُعد
حوالي 30 ميل. وعندما سألنا سواء كان هناك أي كُتاب محليين هنا، قادتنا مونرو إلى الوراء
حيث منزل آيل للسقوط، وهناك وجدنا رجل يجلس عاري الصدر منحنيا فوق آلة كاتبة، ومحاط
بالقطط. قالت: "إنه هناك كل يوم، سواء كان الطقس ممطر أو مشمس. أنا لا أعرفه، لكني
سأموت فضولا لأكتشف ماذا يفعل".
في صباحنا
الأخير بكندا بحثنا كثيرا عن المنزل الذي نشأت به مونرو. لقد بنى والدها المنزل
وربى به حيوانات المنك. وبعد الكثير من الطرق المسدودة، استطعنا الوصول إليه. كان منزلا
جميلا بُني بالقرميد في أقصى نهاية طريق المدينة في مواجهة حقل مفتوح حيث يقبع مطار به طائرة وحيدة يبدو إنها هبطت بشكل مؤقت. يمكنك من زاويتنا أن تتخيل بسهولة مدى إغواء النسيم، الطيار
الذي أخذ الزوجة الريفية بعيدا، كما في "النفاية البيضاء"، أو رجل مخاطر
الطيران الشاب الذي هبط في حقل مثل هذا في "كيف قابلت زوجي".
مثل
ذلك المنزل، مثل مناظر انتاريو الطبيعية الشبيهة لوسط غرب أمريكا، لم تكن مونرو
مُهيبة. إنها لطيفة وفكاهية للغاية. كتبت سبع مجموعات قصصية، ومجموعة لم تُنشر بعد
بعنوان "الأسرار المشاعة"، ورواية واحدة هي "حياة الصبايا والنساء".
حصلت على جائزة الحاكم العام (جائزة أدبية رفيعة بكندا). كما أن قصصها نُشرت بإنتظام
في كتاب أفضل القصص القصيرة الأمريكية حيث قام الكاتب الأمريكي ريتشارد فورد مؤخرا
بضم اثنان منهما إلى المُجلد الذي قام بتعديله. وتم نشر قصصها في مجموعة القصص الفائزة
بجائزة أو. هنري. وتكتب دائما لمجلة نيويوركر. بالرغم من تلك الإنجازات الهائلة، إلا
أن مونرو ما زالت تتحدث عن الكتابة ببعض المهابة وعدم الاستقرار الذين يسمعهم
المرء من خلال أصوات المبتدئين. فليس لديها براعة أو ثرثرة الكُتاب المشهورين، ومن
السهل نسيان إنها هي مونرو. عندما تتحدث عن كتاباتها، تجعلها تبدو غير سهلة،
لكن ممكنة. كما لو أن في إمكان أي شخص كتابة ما تكتبه إذا عمل بشكل كاف فحسب. عندما
رحلنا، شعرنا أن عدوى الإمكانية انتقلت إلينا. تبدو كتاباتها سهلة لكنها تملك بساطة
كاملة قد تأخذ العديد من السنوات والمسودات فقط لتستطيع ترويضها. وكما قالت الكاتبة
الأمريكية سينتيا أوزيك "إنها تشيكوف الخاص بنا وفي مقدورها الصمود أكثر من معاصريها".
المحاور:
لقد ذهبنا إلى المنزل الذي نشأت به هذا الصباح، هل قضيت هناك طفولتك بالكامل؟
مونرو:
نعم. عندما توفى والدي، كان لا يزال يعيش في ذلك البيت داخل المزرعة، التي كانت مزرعة الثعالب وحيوان المنك. تغيرت كثيرا الآن. تحولت لصالون تجميل اسمه "التدليل الكامل".
أعتقد أنهم أقاموه في الجزء الخلفي، لقد هدموا المطبخ بالكامل.
المحاور:
هل كنتي هناك حتى حصول ذلك؟
مونرو: لا، لكني كنت أود رؤية غرفة المعيشة. كان هناك مدفأة بناها والدي وكنت
أود رؤيتها. في بعض الأحيان أفكر في حتمية الذهاب إلى هناك وطلب وضع طلاء الأظافر.
المحاور:
لقد لاحظنا طائرة على الملعب عبر الطريق وفكرنا في قصصك "نفاية بيضاء" و"كيف
قابلت زوجي".
مونرو:
نعم، كان هذا مطار لبعض الوقت. الرجل الذي كان يملك هذه المزرعة كان لديه هواية تحليق
الطائرات، وكان يملك طائرة صغيرة. لم يكن يحب العمل بالزراعة أبدا لذلك ابتعد عنها
وأصبح مرشد طيران. ما زال على قيد الحياة، وفي صحة جيدة وواحد من أكثر الرجال وسامة
الذين قابلتهم يوما ما. تقاعد من مهنة مرشد الطيران عندما بلغ عامه الخامس والسبعون.
بعد ثلاثة أشهر من تقاعده، ذهب في رحلة طيران وأصيب ببعض الأمراض الغريبة التي قد تصيبك
من خفافيش الكهوف.
المحاور:
قصص مجموعتك القصصية الأولى، "رقص الظلال السعيدة"، كانت صدى لتلك المنطقة،
عالم طفولتك. في أي مرحلة من مراحل حياتك كتبت تلك المجموعة؟
مونرو:
امتدت فترة كتابة تلك القصص إلى أكثر من 15 عام. وتعتبر "يوم الفراشة" هي
أقدمهم. من المحتمل أن أكون كتبتهم عندما كنت في الواحدة والعشرين من عمري. أستطيع
تذكر كتابة "الامتنان للتوصيلة" جيدا لأن طفلتي الأولى كانت نائمة في سريرها
بجانبي. لذلك أتذكر عمري وقتها. أما القصص المتأخرة الأخرى كتبتها حين كنت بالثلاثينات.
"رقص الظلال السعيدة" واحدة، "السلام في أوترخت" واحدة أخرى.
"خيالات" هي آخرهم. "الأخوة واكر رعاة البقر" كتبت أيضا بعد بلوغي
الثلاثين. لذلك فإن مدى كتابتهم طويل للغاية.
المحاور:
كيف يبدو صمودها الآن؟ هل حاولتي قراءتهم مرة أخرى؟
مونرو:
هناك قصة كُتبت في بداية هذه المجموعة تُسمى "المنازل المتألقة"، اضطررت
إلى إعادة قراءتها في هاربورفرونت بتورنتو منذ عامين أو ثلاثة، حيث كنت بصدد حضور احتفالية
خاصة بتاريخ المجلة الأدبية الكندية Tamarack Review. كانت قد نُشرت في
أحد الأعداد الأولى لهذه المجلة. كان الأمر في غاية الصعوبة. أعتقد أني كتبت تلك القصة
عندما كنت في الثانية والعشرين من عمري. وظللت أعدل بها كلما قرأت. أمسكت بكل الحيل
التي استخدمتها في ذلك الوقت والتي تبدو الآن قديمة للغاية. حاولت إصلاحها بسرعة. وتثب
عيني على المقطع التالي بينما أقرأ، لأني لم أقرأ منذ زمن. لم يسبق لي أبدا قراءة
قصص قديمة. عندما أقرأ قصة كُتبت منذ زمن، أرى أشياء لم أعد أمارسها الآن، أشياء كان
يفعلها الأشخاص في الخمسينيات.
المحاور:
هل قمت من قبل بتعديل قصة لك بعد أن تم نشرها؟
فلقد قام (بروست) قبل وفاته بإعادة كتابة المجلدات الأولى من "البحث عن
الزمن المفقود".
مونرو:
نعم. كما قام هنري جيمس أيضا بإعادة كتابة كتابات له بسيطة ومفهومة فباتت ملتبسة ومعقدة. في الحقيقة، لقد فعلت هذا مؤخرا. في قصة "الرحيل بعيدا" التي
كانت ضمن أفضل القصص الأمريكية القصيرة في عام 1991. أعدت قراءتها مرة أخرى في مجموعة
مختارات أدبية لأني أردت معرفة ما كانت تبدو عليه ووجدت مقطع اعتقدت إنه لزج للغاية.
كان مقطع قصير لكنه في غاية الاهمية، ربما كان جملتين فقط. أخذت قلمي وأعدت كتابته
على هامش المجموعة وبذلك احتفظت به لأتذكر معالجتها حين أنشر القصة في هيئة كتاب. لقد
قمت دائما بعمل تعديلات في المرحلة التي أستطيع فيها رؤية الأخطاء لأني لم أعد داخل
إيقاع القصة. فأرى جزء صغير من الكتابة لا يبدو إنه كُتب كما
يجب أن يكون عليه العمل، وفي النهاية أكون متحمسة بطريقة ما. لكن أخيرا عندما أقرأ
القصة مرة أخرى تبدو لي مزعجة قليلا. لذلك أشعر ببعض الحيرة. ربما يكون الحل أن
نتوقف عن هذا السلوك. لا بد أن يكون هذا كما لو أن الطريقة التي تتبعها مع طفل ما، لم
تعد مجدية بعد الآن.
المحاور:
لقد ذكرتي أنك لا تسمحي للأصدقاء أن يروا أعمالك قبل انتهائها.
مونرو:
لا، أنا لا اسمح لأحد أبدا بالاطلاع على أعمالي قبل انتهائها.
المحاور:
إلى أي مدى تعتمدي على المحررين؟
مونرو:
كانت مجلة نيويوركر هي أولى تجاربي مع المحررين الجادين. قبل ذلك، كان هناك تعديلات مع اقتراحات قليلة – ليست ذو أهمية. كان هناك اتفاقية بيني وبين المحرر حول
التعديلات التي يمكن اجراءها. لكن عندما أصادف محرر يعتقد أن قصص ويليام ماكسويل، على
سبيل المثال، تافهة، لن يكون ذا أهمية بالنسبة إليّ. لا بد أيضا أن يكون لديه أعين ثاقبة
ليرى الطرق التي قد أُضل بها. كان شيب ماجراس من مجلة نيويوركر أول محرر أعمل معه،
كان جيد للغاية. لقد كنت مندهشة من قدرة شخص ما على النظر بعمق داخل ما أردت قوله.
في بعض الأحيان لم نفعل الكثير، لكن من آن لآخر كان يعطيني توجيهات كثيرة. أعدت ذات
مرة كتابة قصة بعنوان "موسم الديك الرومي"، التي قام بشرائها من قبل. اعتقدت أنه سيقبل ببساطة النص الجديد لها لكنه لم يفعل. قال لي: "حسنا، أفضل بعض الأجزاء
في النص الجديد، وأفضل بعض الأجزاء في النص القديم أيضا، لماذا لم نضبط التعديلات
سويا؟" بعدها وضعنا التعديلات معا وحصلنا على قصة أفضل بهذه الطريقة، على قدر
اعتقادي.
المحاور:
كيف كان هذا الإنجاز؟ عبر الهاتف أو بالبريد الإلكتروني؟ هل ذهبتي يوما إلى مجلة نيويوركر
وتقابلتما.
مونرو:
كان عبر البريد الإلكتروني. نحن بيننا علاقة هاتفية خصبة، لكننا لم نرى بعضنا سوى مرات
قليلة.
المحاور:
متى نشرت في مجلة نيويوركر أول مرة؟
مونرو:
كانت قصة "هزائم ملكية" أولى قصصي التي نشرتها هناك، كان هذا في عام
1977. لكني أرسلت جميع قصصي الأولى إليها في الخمسينات. ثم توقفت عن الارسال لفترة
طويلة وأرسلت فحسب لمجلات بكندا. أرسلت لي نيويوركر ملاحظات مهذبة بالرغم من إنها
– مبدئيا، غير رسمية، فإنهم لم يقوموا أبدا بتوقيعها. ولم تكن مشجعة للغاية. ما زلت
أذكر واحدة منهم: الكتابة أنيقة جدا، لكن الفكرة الرئيسية مألوفة قليلا. كانت قصة حب
بين شخصين عجوزين. العانس العجوز التي أدركت أن كل هذا الحب من أجلها عندما عرض مزارع
عجوز عليها الزواج. لدي في قصصي الكثير من العجائز العوانس. كانت تُدعى "يوم تورد
أزهار النجمية". كانت حقا مروعة. ولم أكتب هذا عندما كنت في سن المراهقة؛ لقد
كنت في الخامسة والعشرين من عمري. تساءلت لماذا كتبت عن العوانس العجائز. لم أعرف أبدا.
المحاور:
لقد تزوجت في سن صغيرة. إذن لم تكوني متوقعة أن تمضي في حياتك كعانس عجوز.
مونرو:
أعتقد أني أدركت من صميم قلبي أني عجوز عانس.
المحاور:
هل كنتي دائمة الكتابة؟
مونرو:
منذ وصولي للصف السابع أو الثامن.
المحاور:
هل بدأتِ في الكتابة بجدية بعد ذهابك إلى الجامعة؟
مورنو:
بالطبع، لم يكن لدي فرصة أن أكون أي شيء آخر لأني لم أكن أملك المال. لقد عرفت أني
سأكون فقط في الجامعة لمدة سنتين لأن المنحة المتاحة في ذلك الوقت كانت تدوم لعامين
فحسب. كانت هذه عطلة حياتي ووقت رائع. لقد كنت مسئولة عن المنزل في الوطن عندما كنت
في فترة مراهقتي، لذلك كانت الجامعة هي الوقت الوحيد في حياتي بأكملها الذي لم أكن
مضطرة به أن أقوم بالأعمال المنزلية.
المحاور:
هل تزوجت مباشرة بعد هذين العامين؟
مورنو:
لقد تزوجت مباشرة بعد العام الثاني. كنت في العشرين من عمري. ذهبنا إلى فانكوفر بكندا.
كان أمرا عظيما أن تكون متزوجا – مجازفة وخطوة كبيرة. أكثر ما يمكننا الحصول عليه والمكوث
في الوطن. لقد كنا فقط في بداية العشرينات. وقمنا على الفور بتتبع شكل مناسب للغاية
لأسلوب حياة الطبقة الوسطى. فكرنا أن نبتاع منزلا وإنجاب طفلا، وقد فعلنا هذا دون
إبطاء. لقد أنجبت طفلتي الأولى وأنا لا أزال في الواحدة والعشرين من عمري.
المحاور:
وكنتي تكتبين خلال كل هذا؟
مونرو:
كنت أكتب في عجالة طوال فترة حملي لأني اعتقدت أني لن أكون قادرة أبدا على الكتابة بعد
ذلك. كل حمل حفزني لأن أنجز شيء ما ضخم قبل حضور الطفلة. لكن في الحقيقة، لم انجز أي
شيء كبير بالفعل.
المحاور:
في "الإمتنان للتوصيلة"، قمت بالكتابة من وجهة نظر صبي من المدينة قاسي القلب
حيث كان يلتقط فتاة فقيرة من البلدة لمدة ليلة ويقيم معها علاقة وينجذب إليها بالتبادل
ويشمئز من فقر حياتها. يبدو هذا لافت للنظر أن تأتي مثل هذه القصة أثناء الوقت الذي
تكون فيه حياتك مستقرة ومناسبة.
مونرو:
أتى صديق لزوجي ليزورنا في الصيف أثناء فترة حملي في طفلتي الأولى. وبقى معنا شهر أو
أكثر. كان يعمل لدى المجلس القومي للسينما، ويشارك في صنع فيلم هناك. أخبرنا بالكثير
من الأشياء – لقد أجرينا حديثا كما تفعل الآن، بشكل شيق عن حيواتنا. حكى قصة عن التواجد
في بلدة صغيرة بخليج جورجيان والذهاب في نزهة مع فتاة محلية. كان هذا صادم لصبي من
الطبقة الوسطى. كان شيء مألوفا تماما لي لكنه على العكس بالنسبة له. لذلك أردت التوحد
بشدة مع الفتاة ومع أسرتها ومع موقفها، وأعتقد اني كتبت تلك القصة بعد ذلك بفترة قليلة
لأن طفلتي كانت تنظر إليّ من سريرها.
المحاور:
كم كان عمرك عندما نُشر أول كتاب لك؟
مونرو:
كنت في السادسة والثلاثون تقريبا. لقد كتبت هذه القصص عبر السنين وأخيرا قام محرر من
Ryerson Press، دار النشر الكندية التي اندمجت في ماكجرو-هيل لاحقا، بالكتابة
لي وسؤالي إذا ما كان لدي قصص كافية لطباعة كتاب. لقد كان في طريقه لوضع قصتي في كتاب
مع كاتبين أو ثلاثة آخرون. فشل هذا، لكنه ظل محتفظا بعدد من قصصي. ثم استقال ومررني
لمحرر آخر، الذي قال: "إذا استطعت كتابة ثلاث قصص أخرى، سيكون لدينا كتاب".
وبذلك كتبت "خيالات" و"الأخوة واكر رعاة بقر" و"بطاقة بريدية"
أثناء العام الأخير قبل نشر الكتاب.
المحاور:
هل قمت بنشر تلك القصص في المجلات؟
مونرو:
معظمهم تم نشرهم في مجلة Tamarack Review. كانت مجلة صغيرة
أنيقة وجريئة للغاية. أخبرني المحرر إنه كان المحرر الوحيد في كندا الذي عرف كل قراءه
بأسمائهم الأولى.
المحاور:
هل خصصت يوما وقت محدد للكتابة؟
مونرو:
عندما كان الأطفال صغارا، كان الوقت المتاح هو وقت ذهابهم للمدرسة. لذلك عملت بكد في
تلك السنوات. امتلكنا أنا وزوجي مكتبة لبيع الكتب. حتى أثناء عملي هناك، كنت أمكث في
المنزل حتى فترة الظهيرة. كان من المفترض أن أقوم بالأعمال المنزلية، ثم أكتب بعد
الانتهاء. في وقت لاحق، عندما توقفت عن العمل بشكل يومي بالمكتبة، كنت أكتب حتى عودة
الجميع إلى المنزل من أجل الغداء، ثم بعد خروجهم مرة أخرى ربما حتى الثانية والنصف. كان لدي فسحة من الوقت لاحتساء كوب من القهوة والبدء في الأعمال
المنزلية، في محاولة للانتهاء منها قبل حلول الأصيل.
المحاور:
وماذا عن الوقت الذي كانت فيه الفتيات أصغر من عمر الذهاب للمدرسة؟
مونرو:
كنت أقوم بالكتابة أثناء نومهم في القيلولة.
المحاور:
تكتبي وهم في نوم القيلولة؟
مونرو
: نعم، من الواحدة حتى الثالثة بعد الظهر. كتبت العديد من المقاطع التي لم تكن جيدة،
لكني كنت أنتج بغزارة مقبولة. في العام الذي كتبت فيه كتابي الثاني، "حياة الصبايا
والنساء"، كنت أنتج بشكل هائل. كان لدي أربع أطفال لأن إحدى صديقات بناتي كانت
تعيش معنا، وكنت أعمل بالمكتبة ليومين في الأسبوع. اعتدت أن أعمل حتى الواحدة صباحا
وأستيقظ في السادسة. أتذكر أني كنت أفكر إني على وشك الموت. كان التفكير في
احتمالية إصابتي بأزمة قلبية أمر مفزع. كنت حينذاك في التاسعة والثلاثون من عمري، لكني
بقيت أفكر في هذا. ثم قلت لنفسي دعيني أكتب العديد من الصفحات الآن ثم نرى كيف ستكون.
كان هذا سباق متهور نوعا ما. لم يعد لدى هذه الطاقة الآن.
المحاور:
ما كان نهج كتابة هذا الكتاب؟
مونرو:
أتذكر اليوم الذي بدأت فيه كتابة هذا. كنا في يناير، يوم الأحد. خرجت إلى المكتبة،
التي لم تكن تفتح أبوابها أيام الآحاد، وحبست نفسي بداخلها. ثم قال زوجي إنه سيحضر العشاء، لذلك لم يكن لدي سوى فترة الظهيرة. أتذكر نظرتي إلى كل الأدب العظيم
حولي وفكرت، أنتِ حمقاء! ماذا تفعلين هنا؟! بعدها توجهت إلى المكتب وبدأت كتابة جزء
تحت عنوان "الأميرة أيدا"، التي كانت حول أمي. الفكرة الرئيسية التي
تدور حول أمي هي الفكرة الرئيسية للحياة. اعتبرت أن هذا من أكثر الأمور سرورا بالنسبة
لي. قلت لنفسي إذا استرخيت فحسب، ستقومي بإنتاج شيء عظيم. لذلك، بمجرد شروعي في كتابة
ذلك، انفصلت تماما عما حولي. ثم ارتكبت خطأ فادح. حاولت أن أجعله رواية مرتبة، رواية
اعتيادية من ذلك النوع من المراهقة الطفولية. بحلول شهر مارس وجدت أن هذا لا يجدي نفعا.
لم أكن استشعره، وفكرت أن عليّ التخلي عن ذلك. كنت محبطة للغاية. ثم جاءتني فكرة أن
ما عليَ فعله هو تجزئته ثم وضعه في إطار قصصي. ثم سأستطيع أن أتعامل معها. وبذلك تعلمت
أني لن أكتب رواية حقيقية أبدا لأني لا أفكر على هذا النهج.
المحاور:
تعتبر قصة "المتسولة العذراء"، أيضا، شكل من أشكال الرواية لإنها تربط العديد
من القصص ببعضها البعض.
مونرو:
لا أريد أن ننتقد الأشياء بشكل مبالغ به هكذا، لكن غالبا أردت أن أكتب سلسلة أخرى من
القصص. في كتابي الجديد، "الأسرار المشاعة"، هناك بعض الشخصيات التي تعاود
الظهور. بي دود في قصة "الفنداليين" تم ذكرها كفتاة صغيرة في "الرحيل
بعيدا"، وهي القصة الأولى التي كتبتها للمجموعة. بيللي دود هو ابن أمين المكتبة،
تم ذكرهم في "هبوط السفينة الفضائية". لكن عليّ ألا أترك هذا النوع من الخطط
يُلحق بالقصص نفسها. فإذا قمت بكتابة قصة ما تناسب واحدة أخرى، فاعتقد اني أقوم بشيء
خاطئ. لذلك لا أعرف، لن أعود لكتابة هذا الشكل من المتتاليات القصصية مرة أخرى أبدا، بالرغم
من إني أحببت الفكرة. قالت الكاتبة كاثرين مانسيفلد شيء ما في إحدى خطاباتها مثل،
"أوه، أتمنى أن أكتب رواية، أتمنى ألا أموت تاركة كل هذا الفتات والأجزاء".
من الصعب بشدة أن تفصل نفسك بعيدا عن تلك الفتات والأجزاء وتشعر أن كل ما ستتركه ورائك
قصص مبعثرة. أنا على يقين أن في إمكانك التفكير في تشيكوف لكن يبقى كل شيء كما هو.
المحاور:
وتشيكوف نفسه كان دائما يريد كتابة رواية. كان ينوي أن يطلق عليها "قصص من حياة
أصدقائي"
مونرو:
أنا على علم بذلك، وأعرف ماهية الشعور الذي قد يجعلك تعتقد بأنه يمكنك أن تقوم بمثل
هذا الإنجاز عن طريق وضع كل شيء في سلة واحدة.
المحاور: عندما بدأتي في كتابة قصة، هل كنتِ على علم بالفعل بأحداثها كلها؟ هل كانت مخططة كلها بالفعل؟
مونرو:
ليس تماما. أي قصة تبدو جيدة، غالبا يتم تعديلها. حاليا بدأت في كتابة قصة ضعيفة.
كنت أعمل عليها كل صباح، إنها لزجة للغاية. فأنا حقا لا أحبها، لكن ربما، في نقطة ما،
سأغرق بها. عادة أكون على دراية بالكثير من المعلومات عن القصة قبل أن أشرع في كتابتها.
عندما لا يتوفر لدي الوقت المستقر لأعطيه للكتابة، تقوم القصص بالعمل في رأسي لمدة
طويلة حتى عندما أبدأ في الكتابة أغرق بداخلهم. الآن، أقوم بهذا بملأ الدفاتر
بأفكاري.
المحاور:
هل تستخدمين الدفاتر؟
مونرو:
لدى كومات من الدفاتر التي تحتوي على الكتابات غير المصقولة التي قمت بتسجيلها بشق
الأنفس. في وسعها أن تحبطني تماما. دائما أتساءل، عندما أرى تلك المسودات الأولية،
إن كان هناك غاية من وراء كل هذا. أنا في الاتجاه المقابل للكاتب ذو الموهبة الرشيقة،
الشخص الذي يمكنه تحويل فكرته لكتابة. ليس في مقدوري استيعاب ذلك بسهولة. فأنا أفعل
ذلك حين أبدأ في العمل. وغالبا ما اتجه الاتجاه الخاطئ ثم اسحب نفسي لطريق العودة.
المحاور:
كيف تعرفين إنك في الاتجاه الخاطئ؟
مونرو:
قد أكتب دون تردد في يوم ما ثم أفكر إني فعلت حسنا؛ لقد كتبت العديد من الصفحات أكثر
من المعتاد. ثم أصحو في اليوم التالي أكتشف أني لم أعد أريد أن أعمل على تلك الصفحات
مرة أخرى. عندما أجد نفسي أشمئز منهم، عندما أدفع نفسي دفعا لأستطيع الاستمرار، أعرف
بشكل عام أن هناك شيء ما شيء قد حدث. غالبا، في حوالي ثلاثة أرباع ما أقوم به، أصل
إلى نقطة ما، في وقت مبكر نسبيا، إلى الشعور إني على وشك أن أهجر تلك القصة. وأُدخل
نفسي لمدة يوم أو يومين في اكتئاب مؤذ، وأتذمر في كل مكان. أفكر في شيء ما آخر لكتابته.
إنه شيء ما يشبه العلاقات الغرامية: تحاول أن تخرج نفسك من كل خيبات الأمل والتعاسة
فتخرج مع رجل لا تحبه على الإطلاق، لكنك لم تعرف ذلك بعد. ثم، فجأة تحضرني فكرة حول
القصة التي تخليت عنها؛ وأرى كيف سأتعامل معها. لكن هذا يبدو إنه يحدث فحسب بعد قولي،
"لا، لن يعمل هذا، أنسي الأمر تماما".
المحاور:
هل في مقدروك دائما فعل هذا؟
مونرو:
في بعض الأحيان لا أستطيع وأقضي يومي بأكمله في مزاج سيئ. هذا هو الوقت الوحيد الذي
أصبح به حادة الطباع. إذا تحدث إليّ جيري أو استمر في الذهاب والمجيء عبر الغرفة أو
أحدث ضجة في الجوار كثيرة، أشعر اني سأنفجر من الغضب. وإذا دندن أو فعل شيء مشابه،
يكون الأمر مروعا. فأنا أحاول أن أفكر في شيء من البداية للنهاية، و لقد جريت لتوي
داخل جدار من القرميد ولم أعبره. بشكل عام، سأفعل ذلك لبرهة من الوقت قبل أن أستسلم.
وقد تستمر هذه العملية بالكامل لأسبوع. الوقت الذي تحاول التفكير به، وتحاول أن تسترد القصة،
ثم تستسلم وتفكر بشيء آخر، ثم تعود إليه مرة أخرى، غالبا يأتي بغتة حين أكون في متجر
الخضروات أو بالخارج أثناء القيادة. سأفكر في تعديل وجهة نظر فلان وفلان، وفي
حتمية إزالة إحدى الشخصيات. وبالطبع يكون تغيير جذري.
المحاور:
وهل هذا يخدم القصة؟
مونرو:
لا أعرف حتى إذا كان هذا يجعل القصة أفضل. لكن ما تفعله هو جعلي قادرة في الاستمرار
بالكتابة. هذا ما كنت أعنيه حين أخبرتك بإعتقادي أني لا أملك هذا الأمر العاطفي الذي
يأتي ويُملي علي أوامره. أنا فقط أقوم بإمساك ما أرغب في كتابته بصعوبة بالغة وبالكاد.
المحاور:
هل قمت قبل ذلك بتغيير المنظور أو الأسلوب؟
مونرو:
بالتأكيد، في بعض الأحيان أكون مترددة، وأقوم بنقل البطل الأول ليكون الثالث مرارا
وتكرارا. هذه أحدى مشاكلي الرئيسية. فأنا دائما أخلق بطل أول لأدخل نفسي في القصة ثم
أشعر لأسباب ما أن هذا لن يُفيد. كما أني سريعة التأثر بالنقد تجاه ما تخبرني به شخصياتي
حول ما يجب فعله في مرحلة ما. لا يحب وكيل أعمالي البطل الأول في "عذراء ألبانيا"،
وجعلني أقوم بتعديلها. لكني عدت وعدلتها مرة أخرى ليصبح البطل الأول ثانية.
المحاور:
كيف تدركين ما تفعلينه بوعي على مستوى الفكرة الرئيسية؟
مونرو:
حسنا، لا يكون الأمر واعيا للغاية. بإمكاني رؤية الطرق الخاطئة التي تسلكها القصة.
أرى الجوانب السلبية بشكل أسهل أكثر من الجوانب الإيجابية. فبعض القصص لا تعمل بشكل
جيد مثل الاخرين، والبعض الآخر يكون أكثر مرحا في التصور أكثر من قصص أخرى.
المحاور:
مرحا؟
مونرو:
إنهم يبدو مرحين بالنسبة لي. لم أشعر بإلتزام كبير ناحيتهم. لقد قرأت السيرة الذاتية
للكاتبة الاسكتلندية موريل سباركس. وفي اعتقادها، لأنها مسيحية كاثوليكية، أن الخالق
مؤلف عظيم. ومن الضروري لنا ألا نتولى السلطة، وألا نحاول كتابة الأدب الذي يتحدث عن
معنى الحياة، إنما نحاول فهم ما يرمي إليه الرب. لذلك يكتب المرء للترفيه. اعتقد أن
هذا ما ذكرته. أنا أكتب القصص أحيانا بهدف التسلية والترفيه.
المحاور:
أيمكنك إعطاء مثال؟
مونرو:
أفكر أن قصة "فندق جاك راندا" الذي أفضلها كثيرا، تعمل بشكل ترفيهي. أنا
أريد ذلك أيضا، على أية حال. بالرغم من أن قصة مثل "صديق شبابي" ليست ترفيهية.
فإنها تعمل بطريقة أخرى. ومكانتها لدي في أعمق المستويات.
المحاور:
هل شعرت بالمعاناة أثناء كتابة تلك الكتابات التي تعتبريها "ترفيهية" كما
شعرت أثناء مادتك الخام الرئيسية؟
مونرو:
نعم، هذا حقيقي.
المحاور:
هل هناك قصص لم تواجه أي صعوبات إطلاقا أثناء كتاباتها؟
مونرو:
في الحقيقة لقد كتبت "صديق شبابي" بسرعة كبيرة. واستوحيتها من قصة فكاهية.
كان هناك شاب أعرفه كان يعمل بمكتبة في جودريتش وقام بالبحث عن شيء من أجلي. كان في
منزلنا في ليلة ما وبدأ في الحديث عن جيران عائلته، الجيران الذين يعيشون في المزرعة
التالية على الطريق. ويتبعون ديانة تمنعهم من لعب الورق. فيلعبون Crokinole، وهي عبارة عن لعبة ألواح. أخبرني عن ذلك، ثم سألته عن العائلة، وديانتهم،
وكيف يبدون. فقام بوصفهم ثم أخبرني عن فضيحة الزواج: ظهر شاب وكان عضوا في كنيستهم
وقام بخطبة الابنة الكبرى. ثم يا للهول، أصبحت الابنة الصغرى حامل، لذلك تغير الزواج
وتزوج الشاب الابنة الصغرى. وعاشوا جميعا في نفس المنزل. الحكايات حول الأدوات لتصليح
المنزل ودهانه كانت حقيقية أيضا. قام الزوجان بدهان النصف الخاص بهما، ولم تشارك الابنة
الكبرى وبذلك لم يُدهن سوى نصف المنزل فقط.
.
المحاور:
هل كان هناك حقا ممرضة؟
مونرو:
لا، لقد اختلقتها، لكني أخذت الاسم كمنحة. كان لدينا مناسبة لجمع الأموال بمسرح بلايث،
على بُعد حوالي 10 أميال من هنا. وساهم كل الأشخاص بشيء ليكون مزاد علني ونزيد الأموال.
اقترح شخص ما فكرة أن في إمكاني المزايدة بشكل علني على حقي في الحصول على اسم صاحب
العطاء الفائز ليكون اسم لأحد شخصيات قصتي الجديدة التالية. وقامت سيدة من تورنتو بدفع
أربعة دولارات ليكون اسمها هو الفائز. كان اسمها أودري اتكينسون. وجاءتني الفكرة بغتة،
إنها الممرضة! لم أسمع منها قط بعد ذلك. آمل إنها لم تمانع.
المحاور:
ماذا كانت فكرة تلك القصة؟
مونرو:
عندما بدأت في كتابة القصة، كنا في واحدة من رحلاتنا من أونتاريو إلى كولومبيا البريطانية.
ننتقل إلى هناك كل عام في الخريف ونعود مرة أخرى في الربيع. لذلك لم أكن أكتب، لكن
كنت أفكر في هذه العائلة في فنادق الطريق في الليل. ثم غلفتها قصة أمي الكاملة.
ثم حكيت أنا قصة غلفت قصة أمي كذلك. وأدركت ما وصلت إليه من أحداث في النهاية. أود
أن أقول إن هذه القصة جاءت بسهولة. لم تكن هناك أي صعوبات. فلقد اختلقت شخصية لأمي
أحيانا، وعبرت عن مشاعري تجاهها، لم أكن في حاجة للبحث عنها.
المحاور:
لديك أمهات كثيرات في أعمالك. تلك الأم الاستثنائية ظهرت في قصص أخرى، وقد بدت حقيقية للغاية.
لكن كذلك فعلت فلو زوجة والد روز في "المتسولة العذراء".
مونرو:
لكن فلو لم تكن شخصية حقيقية. إنها شخصية شديدة الشبه بأشخاص أعرفهم، لكنها كانت واحدة
من الشخصيات المركبة التي يتحدث عنها الكُتاب. اعتقد أن فلو كانت طاقة قوية لأني كتبتها
عندما عدت للعيش هنا بعد ابتعاد دام ثلاث وعشرون عام. كل الأجواء الثقافية هنا صدمتني
صدمة كبيرة. فلقد شعرت أن العالم الذي اعتدته، عالم طفولتي، قد اختفى بمجرد عودتي ومواجهة
الواقع، رغم إنه كان يكسو ذاكرتي بطبقة ملساء. كانت فلو تجسيد لهذا الواقع، جافة وفظة
أكثر مما أتذكر.
المحاور:
تسافري كثيرا كما هو واضح، لكن يبدو أن عملك مطلع بشكل أساسي على الوعي القروي. هل
تجدين هذه القصص التي تسمعيها هنا من حولك هي رجع صدى لك، أم قمتي باستخدامها مثل مادة
رئيسية كثيرة من حياتك في المدن؟
مونرو:
عندما تعيش في بلدة صغيرة تسمع الكثير من الأشياء، عن كل أنواع الناس. أما في المدينة
فإنك تسمع قصص حول أشخاص مماثلين لك. لو أنت امرأة فهناك دائما الكثير من أصدقاءك.
حصلت على قصة "بشكل مختلف" والكثير من "النفاية البيضاء"من حياتي
في فيكتوريا. كما حصلت على قصة "انفجار" من حادث حقيقي ومريع حدث هنا – جريمة
انتحار قام بها زوجان في عقدهما السادس. في المدينة، كنت سأقرأ عن ما حدث فقط في الصحف؛
ولم أكن لأعرف كل هذه التفاصيل.
المحاور:
ما الأسهل بالنسبة لك، أن تختلقين الأشياء أم تؤلفي بينهم؟
مونرو:
أنا أكتب الكتابات الشخصية بشكل أقل الآن أكثر مما اعتدت لأسباب بسيطة ظاهرة. فأنت
تستغل طفولتك، إلا إذا لم تعد قادرا، مثل ويليام ماكسويل، على العودة للوراء واكتشاف
مستويات رائعة جديدة بها. فالمادة الخام العميقة الشخصية للنصف الثاني من حياتك هي
طفولتك. يمكنك الكتابة عن والديك بعد رحيلهما، لكن أطفالك ما زالوا هنا، وتنتظر منهم
أن يأتوا ويقوموا بزيارتك في دار الشفاء. لذلك ربما من الأفضل أن تنتقل لكتابة القصص
الأكثر تأملية.
المحاور:
بخلاف قصصك العائلية، يعتبر عدد من قصصك تاريخي. هل بحثت يوم عن هذا النوع من المادة الرئيسية،
أم تنتظري ظهوره أمامك؟
مونرو:
ليس لدى أي مشكلات في إيجاد المعلومات. أنا أنتظر حتى يأتوا. ويعد هذا إدارة للمعلومات
التي تغمرني بجانب طرح المشكلة. أما بالنسبة للأجزاء التاريخية، فلقد اضطررت للبحث
بعيدا عن الحقائق. أدركت منذ أعوام رغبتي في الكتابة حول إحدى الكاتبات الفيكتوريات،
واحدة من مبدعات هذا المكان. لكني لم أستطع إيجاد مقطع شعري لهن كما أردت؛ كان كل هذا
سيئ لدرجة مثيرة للسخرية. كنت أريد شعرا بشكل أفضل مما هو عليه. لكن عندما لم
أجد، قمت أنا بكتابته. عندما كنت أكتبه، اطلعت على العديد من الصحف التي جاءني بها
زوجي من حولنا. كما ساعدني في إجراء بحث تاريخي حول مقاطعة هارون، الجزء الخاص بنا
في اونتاريو. إنه عالم جغرافي متقاعد. وبذلك تكونت لدى صور جيدة جدا للبلدة التي أسميتها
والي. حصلت أيضا على صور جيدة من قصاصات الصحف. وعندما احتجت للمزيد من الأبحاث، كنت
أحيانا أكلف العامل بالمكتبة بجلبها من أجلي. كنت أطلب منه إجراء أبحاث حول السيارات
القديمة أو شيء من هذا القبيل، أو شيء عن الكنيسة البروتستانينية في خمسينيات القرن
التاسع عشر. إنه شخص رائع ويحب القيام بذلك.
المحاور:
ماذا عن هؤلاء العمات الرائعات اللائي يظهرن؟
مونرو: عمتي الرائعة وجدتي كانوا في غاية الأهمية في حياتنا. أخيرا، عاشت أسرتي مغامرة مزرعة فرو الثعلب والمنك المتدهورة في منزل لطيف في أسوأ جزء بالبلدة. أما هم فلقد عاشوا في بلدة حقيقية ومنزل لطيف وواكبا الحضارة. لذلك كان هناك دائما توتر بين منزلهم ومنزلنا، لكن كان من المهم
أن يكون لدي هذا. فلقد أحببت هذا عندما كنت فتاة صغيرة. ثم عندما وصلت لسن المراهقة،
شعرت إنه حمولة أُلقيت عليَ. لم تكن أمي السيدة القائدة في حياتي في ذلك الوقت، بالرغم
من إنها كانت تحظى بمكانة ذات أهمية كبيرة؛ إلا إنها لم تعد ذلك الشخص الذي يضع المعايير.
لذا تحرك السيدات الأكبر عمرا ليأخذن هذا الدور، ومع ذلك لم يضعن أي معايير مثيرة لاهتمامي،
كان هناك توتر دائم هناك وكان ضروريا لي.
المحاور:
وهذا يعني أنك لم تنتقلي إلى البلدة كما فعلت الأم والابنة في "حياة الصبايا
والنساء"
مونرو:
لقد فعلنا ذلك في شتاء واحد فقط. قررت أمي استئجار منزل في البلدة لمدة شتاء واحد،
وقد فعلتْ. أقامت حفل غداء للسيدات هناك، حاولت الانخراط في المجتمع الذي كان مبهم تماما
بالنسبة لها. لكنها لم تستطع. فليس هناك تفاهم. أذكر عودتي إلى منزل المزرعة الذي احتله
الرجال، والدي وأخي، ولم يعد في مقدورك رؤية الرسومات الفنية على مشمع الأرضية. كما
لو أن الوحل قد فاض في أرجاء المنزل.
المحاور:
أهناك قصة أحببتها على عكس الآخرين؟ أهناك قصص لم يحبها زوجك؟
مونرو:
لقد أحببت "القمر يتزلج في الشارع البرتقالي" كثيرا، لكن جيري لم يفعل. لقد
كانت مستوحاة من حكايات سردها لي عن طفولته، لذلك أعتقد انه توقع أن تخرج القصة
مختلفة تماما. ولأني خمنت أنه قد يحبها، فلم أعاني وخزا في ضميري. ثم قال لي، حسنا،
ليست أفضل قصصك. وكانت هذه المرة الوحيدة التي واجهنا بها مشكلة بسبب كتاباتي. منذ
ذلك الحين أصبح حريصا ألا يقرأ أي شيء من كتاباتي إلا إذا كنت في مكان ما بعيدا، وإذا
أحبها سيخبرني، أو ربما لا يذكر أي شيء أمامي إطلاقا. أعتقد أن هذا هو النهج الذي لا بد
من اتباعه لإدارة الزواج.
المحاور:
جيري من هذه المقاطعة، على بُعد أقل من 20 ميل من المكان الذي نشأت به. هل كانت حكاياته وذكرياته أكثر نفعا من حكايات جيم، زوجك الأول؟
مونرو: لا، جيم كان من مكان ما بالقرب من تورنتو. لكنه
كان من خلفية مختلفة تماما. لقد عاش في بلدة ذات مستوى اجتماعي مرتفع حيث كان معظم
الرجال يعملوا في تورنتو وكانوا محترفين. كتب الكاتب الأمريكي تشيفر عن بلدات مثل هذه
حول نيويورك. لم أعرف أي شخص من هذه الطبقة الاجتماعية من قبل، لذلك كانت الطريقة التي
يفكرون بها في الأشياء مهمة لي بشدة، لكنها لم تكن حكايات. اعتقد أني كنت شخص غير ودي
لفترة طويلة جدا حتى استطعت تقديرها؛ كنت حينها يسارية. حيث الأشياء التي أخبرني بها
جيري امتداد إضافي لكل الأشياء التي اتذكرها من نشأتي – رغم وجود اختلافات جوهرية بين
حياة الصبي في البلدة وحياة الفتاة في المزرعة. أعظم جزء في حياة جيري قد يكون بين
عمر السابعة والرابعة عشر، عندما طاف الصبية البلدة في هيئة عصابات. لم يكونوا مجرمين،
لكنهم أشبعوا أنفسهم، مثل ثقافة المجتمع هناك. لم تكن الفتيات جزء من هذا، لم أفكر
حتى في الأمر. لقد كنا دوما في حلقات صغيرة من الصديقات، لم نحصل على حريتنا إطلاقا.
لذلك كنت راغبة في تعلم كل هذا.
المحاور:
كم عشت بعيدا عن تلك البلدة؟
مونرو:
لقد تزوجت في نهاية عام 1951، وانتقلت للعيش في فانكوفر، ومكثت هناك حتى عام 1963.
ثم انتقلت مرة أخرى إلى فيكتوريا حيث بدأنا مكتبتنا (مكتبة مونرو). ثم عدت مرة أخرى،
اعتقد كان ذلك في صيف 1973. لقد مكثت في فيكتوريا عشر سنوات فحسب. وتزوجت لمدة عشرين
عام.
المحاور:
هل عدت مرة أخرى للشرق لأنك قابلت جيري أم من أجل العمل؟
مونرو:
من أجل العمل، وكذلك لأني بقيت مع زوجي الأول في فيكتوريا لعشر سنوات. كان الزواج متوترا
لمدة عام أو عامين. إنها مدينة صغيرة وفي مثل تلك المدن يكون لديك حلقة من الأصدقاء
الذين يعرفون بعضهم البعض. وقد بدا لي أن إذا انهار الزواج، سيكون من الصعب العيش في
نفس المحيط. اعتقدت أن هذا سيكون أفضل لنا. لكن بقى زوجي من أجل المكتبة. ثم حصلت على
عرض عمل لتدريس الكتابة الإبداعية في جامعة يورك خارج تورنتو. لم أبق هناك كثيرا، لقد
كرهت هذا العمل. وعلاوة على ذلك لم أكن أملك المال، لذلك استقلت.
المحاور:
لأنك لم تحبي تدريس الأدب؟
مونرو:
لا، لم أحبه! لقد كان مريعا. كان هذا في عام 1973. كانت جامعة يورك واحدة من أكثر الجامعات
الكندية تطرفا، وكان فصلي الدراسي كله من الشباب ما عدا فتاة واحدة بالكاد تتحدث. كانوا
يفلعون ما كان موضة وقتها، أن تكون مبهما ومبتذل على حد السواء؛ كما إنهم كانوا غير
متسامحين تجاه أي شيء مختلف. كان مناسبا لي تعلم كيف أصرخ مرة أخرى وأعبر عن بعض الأفكار
حول الكتابة التي لم أعمل على تطويرها من قبل، لكني لم أعرف كيف أتواصل معهم، وكيف
لا أكون عدوا لهم. ربما أعرف الآن. لكن بدا لي أنه شيء ليس له علاقة بالكتابة – مثل
التدريب الجيد للظهور في التلفاز أو ما شابه، والارتياح بشدة للكليشيهات. كان من
المفترض أن أكون قادرة على تغيير ذلك، لكني لم أستطيع. كان لدي طالبة واحدة لم تكن
في فصلي الدراسي أحضرت لي قصة. أتذكر يومها الدموع التي انهمرت من عيني لأنها كانت
بالفعل جيدة، ولأني لم أر قطعة بهذا الجمال كتبها طالب منذ الكثير من الوقت. وقد سألتني،
كيف أستطيع أن انضم لفصلك الدراسي؟ فقلت، لا تفعلي! لا تقتربي من فصلي، فقط أحضري لي
كتاباتك. أصبحت كاتبة في النهاية. كانت الوحيدة التي فعلت ذلك.
المحاور:
هل هناك تكاثر لمدارس الإبداع الأدبي في كندا كما في الولايات المتحدة؟
مونرو:
ربما ليس بالكم الكبير تماما. لا يوجد لدينا هنا شيء مثل برنامج (أيوا) للكتابة. لكن
زادت مهن التدريس في أقسام الكتابة. لبرهة من الوقت شعرت بالأسف تجاه هؤلاء الأشخاص
لإنهم لم ينشروا أعمالهم. حقيقة إنهم يكسبون من المال ثلاثة أضعاف ما تحصلت عليه يوما
لن تؤثر فيَ.
المحاور:
يبدو أن الأغلبية الكبيرة من قصصك تدور في اونتاريو. هل تختاري أن تعيشي هناك الآن،
أم إنها كان ظرف؟
مونرو:
الآن إذا كنت هناك، كنت سأختار البقاء. ما نعيش فيه الآن هو منزل والدة جيري، وقد عاد
لهنا ليعتني بها. كما عاش أبي وزوجته في المنطقة أيضا. لقد شعرنا أن كل هذا لن يستغرق
سوى فترة محدودة من الوقت نقضيها في خدمة هؤلاء الطاعنين في السن، ثم سننتقل. وبالطبع،
لأسباب مختلفة، لم يحدث هذا. لقد رحلوا منذ وقت بعيد، لكننا ما زلنا هنا. أحد أسباب
بقاءنا هو هذا المنظر الطبيعي الذي أصبح ذو أهمية خاصة لنا. هذا بالطبع شيء عظيم. لم
يسبق أن تملكني أي منظر طبيعي أو ريفي أو بحيرة أو بلدة بهذا الشكل. لذلك فأنا
ممتنة لجيري. لا اعتقد أني سأغادر أبدا.
No comments:
Post a Comment