.
تبدأ الابنة الكبرى في استغلال
كريستين ومساومتها، اعطيني اكثر لالعقك والا سأخبر والدي. وتنجح في وضع يدها على
شريطي فيديو نستنتج من تفاعلها مع اخويها انهما عن فيلم ربما يدور حول الملاكمة.
شغفها بالمعرفة هو ما يحركها فتتحس خطها لغرفة امها وتكتشف التليفون لأول مرة في
حياتها. وتبدأ الثورة بعد ان تكسر الناب لتخرج من الشرنقة الى الحياة في شنطة
سيارة والدها. تبدو لي عائلتها كالدولة العثمانية التي عانت من مرحلة تخلف واضحة
في أوائل القرن التاسع عشر، وأسماها المؤرخون بـ(الرجل المريض)، وكان هذا الضعف
يوازيه ازدهار وتقدم في أوروبا، وبدأت أوروبا تطمع في أملاك هذا الرجل المريض لكي
تمد الحركة الصناعية عندها بالخامات، فكانت الحملة الفرنسية على مصر(1798م– 1801م)
هي إحدى البدايات المؤسِّسة لمعرفة الآخر، وقد كانت المواجهة بين البندقية والسيف،
هي بالأساس مواجهة بين حضارة ناهضة واعدة، وحضارة آفلة، ومنذ تلك اللحظة بدأ
المجتمع العربي يعي أنَّ هناك آخر ناهضاً، وحضارة غربية قوية، وهنالك بدأ البعض
يعي طبيعة الانحطاط والتدهور الذي يعيش فيه العالم العربي. الحملة الفرنسية التي
كانت بمثابة شريطي الفيديو الذين تم التساوم عليهم أبهرت المصريين بشدة فمصر كانت
في واقع بئيس، حيث أسوأ حالاتها الفكرية والروحية والسياسية والعسكرية، ولذلك لما
واجهت الحملة الفرنسية وهي على ذلك الحال حدث الانبهار الحقيقي بتلك الحملةِ الذي
ما زالت آثارُه ممتدةً لدى بعض المثقفين حتى الآن. ويصور المنفلوطي الصورة التي
انتهت إليها الحال بعد مجيء الحملة الفرنسية حيث يقول: "وأصبح السيد في بيته
يستحي من خادمة غرفته الأوروبية أن تطلع على جهله بعادات قومها في خلع الحذاء ولبس
الرداء أكثر مما يستحي من الله عز وجل". فقد حدث نوعٌ من الانبهار
الحقيقي الذي عبَّر عنه الإمام البنا في بعض رسائله الإعجاب بالخصم إعجابًا يؤدِّي
إلى تقليده في كل ما صدر عنه. ارباب العائلة اليونانية/الدولة العثمانية التي نشرت
الجهل والتخلف او على الاقل لم تمنع انتشاره، الابنة الكبرى (الفرد)/الشعب الذي
وقف فارغا فاه امام شريط الفيديو/الحملة الفرنسية. يمكننا اعلاء قيمة الفرد في هذه
الحالة الثورية بذكر على سبيل المثال رفاعة الطهطاوي الذي ولد ابان الحملة
الفرنسية المدهشة وكان سفره لفرنسا نقطة تحول لمسار حياته وثقافته ودعوته للتثقف
والعمل.
السينما هي الكتب التي خلدت الفرد
الثائر مقابل التاريخ الذي لم يتبق منه غير الجموع المرئية بعين الصقر. فيلم
"ناب" 2009 للمخرج اليوناني يورجس لانثيمو. يبدأ بصوت الام وهي تشرح بعض معاني كلمات جديدة
ليتعلمها اولادها الذين تجاوزوا سن المراهقة بشهور قليلة على ما يبدو لنا. تقول
لهم ان "بحر" تعني الكرسي الكبير وان "النزهة البرية" تعني
المادة شديدةالمتانة....وهكذا يتم تشويه الوعي الجماعي لهؤلاء الشباب في بيت كبير
مسور بسور عالي في منطقة نائية بعيدة عن الناس حيث لا يوجد شئ او احد. تأتي
كريستين من العدم فقط لتشبع رغبة الابن الجنسية الذي تعامل معها الابوين كرغبة
حيوانية لابد ان يتم اشباعها من حين لاخر ومن هنا تكون كريستين الوصلة الوحيدة بين
الابنة الكبرى وبين العالم الخارجي
.
الابنة الكبرى وبين العالم الخارجي
.
النماذج السينمائية على الثورة
الفردية كثيرة. حيث الوعي العقلي الأوحد في أجمل تجاليته الانسانية واحساسه بتفرده
وامكانيته لاحداث التغيير على المستوى الشخصي الذي سيقوده حتما للثورة الجماعية
التي تكتب التاريخ. يراودني فارس/الحريف الثائر للمخرج محمد خان 1983 الذي اراه
ثائر فاشل لا يرقى لكتابة تاريخ وسط مجموعة. فارس الذي استسلم للقيود الاجتماعية
واذعن الى الاستقرار والكف عن اللعب/خلاص يا بكر..زمن اللعب راح. انها حالة الكف
عن الثورة والعودة الى زوجته/المجتمع الذي لا يتقبل فردا يفضل لعب "كورة
الشارع" على ان يكون "صنايعي وكسيب". يقابله نورا في رسائل البحر للمخرج
داوود عبد السيد التي يعصف ذهنها كل ليلة ويهزمها ضعفها، أتبقى زوجة ثانية تنال
احترام الجموع التي يسيل لعابها امام اللقب رغم عدم احترامها لنفسها واحساسها
بانها فتاة ليل تلعب بجسدها؟
اما تخسر احترامهم وتصنع ثورتها
الخاصة وتكسب نفسها؟. نورا خسرت الجموع امام جموح الثورة اما فارس فخسر نفسه
ليكسبهم. انها الاشكالية التي ابينا التعايش معها خلال ثورتنا، الرضوخ لدعاوى
الاستقرار وترك مبارك لآخر مدته ام المضي قدما بمفردنا!. اعرف ان الميدان طالما ضج
بمناقشات صاخبة، اين نحن؟ هل نكمل ام نتوقف؟ وطالما كنا وحدنا، سواء في الميادين
الواسعة بالمدن أو الميادين الواسعة بعقولنا من داخل البيوت. كيف يتسنى لايام
عظيمة كهذه ان ترمي بنا الى هذه الضحالة؟. انه الحزن المصاحب للثورات بلا شك.
دائما ما استوقفني الفيلم الصادم
"الحالمون" للمخرج
الايطالي برناردو برتولوتشي، فيلم ذو ثورة صادمة ربما على ما
نعرفه من قواعد وانظمة بشرية. يبدو لي اجمل ما صور الثورة يوما. الثورة هنا
مختلفة، انها للداخل. لا تستسيغ الواقع كثيرا فتغرق في احلامك وتبتعد عنه
وتكسر كل قيوده. كما ان الفيلم يضع الثقافة والحرية الاوروبية امام نمط الحياة
الامريكية.
فهناك ماثيو الامريكي الذي يدرس في فرنسا وليس لديه اصدقاء ويتعرف لاحقا على ايزابيل وثيو الاخوين الفرنسيين وينتقل ليعيش معهم. في البداية ينزعج من نمط حياتهم البوهيمي الثائر على النظام المفترض تطبيقه ثم يبدأ يندمج معهم ولكنه حائر في حالة عدم استيعاب لما يحدث. وتدريجيا ينسحبوا جميعا من الواقع وينغمسوا في حبهم للسينما الكلاسيكية واعادة تمثيل وتقليد المشاهد. ثورة كاملة، نومهم عاريا متجاورين وممارسة ماثيو وايزابيل الجنس بشكل فوضوي، لا مجال للطعام والنظافة والنوم وفقا لمواعيد ثابتة، لا مجال للحياة الروتينية المنتظمة الايقاع المملة ذات القواعد الثابتة التي تعارف عليها البشر واقرتها الاديان. انما ثورة على هذا ربما في محاولة لايجاد حياة موازية اكثر اتساعا ورحابة لحرية ورغبات الانسان الجامحة. لا يخرج الاخوين الى الواقع غير بحدوث انتفاضة مايو 1968...توقفوا عن ثورتهم الداخلية ليكونوا في الصفوف الاولى للثورة الكبرى الامثل بالنسبة لهم. لم يفهم ماثيو الامريكي اصرارهم على المشاركة في الاحداث، الحلم الامريكي المكتمل الذي لا يبحث عن الحرية لانها بالفعل موجودة والذي ربما لا يفهم سعي الشعوب ورائها بهذا النهم والشغف. يذكرني بمقولة ماري انطونيت الشهيرة "ياكلوا جاتوه"!.
فهناك ماثيو الامريكي الذي يدرس في فرنسا وليس لديه اصدقاء ويتعرف لاحقا على ايزابيل وثيو الاخوين الفرنسيين وينتقل ليعيش معهم. في البداية ينزعج من نمط حياتهم البوهيمي الثائر على النظام المفترض تطبيقه ثم يبدأ يندمج معهم ولكنه حائر في حالة عدم استيعاب لما يحدث. وتدريجيا ينسحبوا جميعا من الواقع وينغمسوا في حبهم للسينما الكلاسيكية واعادة تمثيل وتقليد المشاهد. ثورة كاملة، نومهم عاريا متجاورين وممارسة ماثيو وايزابيل الجنس بشكل فوضوي، لا مجال للطعام والنظافة والنوم وفقا لمواعيد ثابتة، لا مجال للحياة الروتينية المنتظمة الايقاع المملة ذات القواعد الثابتة التي تعارف عليها البشر واقرتها الاديان. انما ثورة على هذا ربما في محاولة لايجاد حياة موازية اكثر اتساعا ورحابة لحرية ورغبات الانسان الجامحة. لا يخرج الاخوين الى الواقع غير بحدوث انتفاضة مايو 1968...توقفوا عن ثورتهم الداخلية ليكونوا في الصفوف الاولى للثورة الكبرى الامثل بالنسبة لهم. لم يفهم ماثيو الامريكي اصرارهم على المشاركة في الاحداث، الحلم الامريكي المكتمل الذي لا يبحث عن الحرية لانها بالفعل موجودة والذي ربما لا يفهم سعي الشعوب ورائها بهذا النهم والشغف. يذكرني بمقولة ماري انطونيت الشهيرة "ياكلوا جاتوه"!.
وتبقى الثورة فعل فردي مقدس بالاساس لن يقوم بها الجموع الا اذا
اختبروا الثورة الفردية اولا.
أميمة صبحي