اول ما يتراءى لنا عندما نسمع عن التحرش هو وجود رجل وامرأة في اطار القصة المنتظر سماعها، نادرا ما نتخيل وجود امرأتين في قصة عن التحرش والعنف الجندري. زادت المناقشات في الفترة الاخيرة عن الانتهاكات والممارسات العنيفة التي تمارس ضد المرأة ولكن ظل هناك جزء خفي لا اعرف اذا كما نتغاضى عنه ام بالفعل ننساه وهو تحرش المرأة بالمرأة او المرأة بنفسها.
ما يعنيني هنا هو هذا الجزء المنسي الذي اعتبره انا سبب من اسباب العنف ضد المرأة بل ربما يكون سبب لما يسمى بالمجتمع الذكوري ككل. لن اطيل التحدث عن الناشطة الكويتية سلوى المطيري وعن دعوتها بشراء الجواري لحماية الرجال من الزنا مدعمة هذه الدعوة بآراء دينية اكل عليها الدهر وشرب، فلقد كتب عنها الجميع في استنكار ودهشة من هذا الفكر الذي يقلل من شأن المرأة ويجعلها بمثابة أداة جنسية فحسب.
وحقا اني مندهشة من استنكارهم ودهشتهم لان ذلك يثبت لي ان معظم السيدات والرجال الذين تطوعوا للحفاظ والدفاع عن حقوق المرأة العربية لا يعرفوا عادات وتصورات المجتمعات العربية عن المرأة أو بالاحرى لا يعرفوا كيف تنظر المرأة/الام للمرأة/الابنة على سبيل المثال وليس الحصر بالطبع.
لا اعرف تحديدا من اين يمكنني البدء. فالنماذج العديدة التي قابلتها في الاوساط الشعبية بحكم اني عشت معظم حياتي بها تجعلني حائرة! فعنف المرأة ضد نظريتها شائع جدا في هذه الاوساط بدءا من زوجة تنهر زوجها لان "خلفته كلها بنات" في سابقة الاولى من نوعها بالنسبة لي، فدائما ما اعرف او اسمع ان الزوج هو من يفعل ذلك عندما لا تنجب له زوجته الولد ولكن هذا الموقف العكسي جديد تماما. فالام لا تريد بناتها وبحكم دراستها -الجامعية بالمناسبة- تعي تماما ان الرجل هو المسئول الاول عن نوع الجنين ويصل الامر الى التهديد بالخلع اذا كان الجنين الثالث بنت ايضا.
من ضمن الحكايات التي سمعتها حكايات الزواج وليلة الزفاف. فانتشار حملات التوعية للرجل/الزوج حول اهمية هذه الليلة بالنسبة للزوجة وانواع غشاء البكارة واذا كان لابد من نزول دم في هذه الليلة ام لا، كل هذه الحملات وغيرها الكثير تغفل دور المرأة/الام او الخالة او العمة او الحماة في هذه الليلة.
تحكي لي صديقة وهي في قمة غضبها عن ليلتها الاولى مع زوجها وكيف انها أجبرت على الاحتفاظ بدمائها على منديل لتريه لنساء عائلتها من الخالات والعمات وطبعا قبلهن امها وذلك بعد تهديد بالمقاطعة اذا لم يتم ذلك. تحكي عن بدء الحديث معهن بالنقاش في هدوء عن عدم جدوى ذلك الفعل وعن مدى الاهانة التي ستشعر بها وكيف ان الردود كانت استفزازية خاصة محاولتهن اقناعها عن طريق الدين دون سند وبجهل تام.
"طيب وتفتكري احنا عرفنا منين ان السيدة عائشة كانت بكر؟"
او التي تتعلق بالاخلاق "لما تعملي كده وتشليه تبقي حميتي نفسك..افرض جوزك طلع قليل الاصل واتكلم عليكي بعد كده كلام مش كويس وقتها بقى تطلعي المنديل وتحطيه في عينيه ادام الكل"
قهر المرأة للمرأة ورؤيتها لنفسها بانحطاط هو سبب اساسي لتسلط الرجل. في حكاية اخرى صدمت عند سماعها قامت الام باصطحاب داية لغرفة نوم ابنتها لمساعدة الزوج في فض غشاء بكارتها بالقوة للاطمئنان على صحة الزوج والتفاخر بعذرية ابنتها وطهارتها. كيف نظرت الفتاة المقهورة في عين امها وزوجها بعد هذا اليوم؟ اي قهر وذل شعرت به؟ اشعر بالقشعريرة عندما اتخيل ذلك!
ولا استطيع ان لا اذكر فتاة اخرى انهارت يوم زفافها عندما لم تجد الا نقطة دماء واحدة فقط واصرارها على الذهاب لدكتور وتحمل تبعات الكشف الكلي فقط لتثبت لزوجها وحماتها انها طاهرة تماما.
في اعتقادي ان رؤية المراة العربية لنفسها انها ايقونة جنسية يجعلها تتقبل اشكال القهر المتعددة. تتقبل فرض الحجاب/النقاب عليها لانها بالطبع عورة وستفتن الرجال، وتتقبل كبت مشاعرها وحبسها في المنزل حتى يأتي النصيب وتتقبل القهر الجنسي الذي يمارسه عليها نساء عائلتها قبل زوجها لتثبت برائتها للجميع وكأنها طوال عمرها مدانة ويوم الزفاف هو يوم النطق بالحكم النهائي. تقبل الاتهامات في صمت وفي احساس بالذنب وهذا ما جعل امراة كسلوى المطيري تطالب برجوع عصر الجواري واستيراد نساء من الشيشان، ولما لا؟ ألسن ادوات جنسية خلقت لتمتع الرجل وتحسن من معيشته؟ فلنعود لمهامنا الاصلية اذن دون اي احساس بالقهر او التحرش الذي اعتبره اكثر وجعا من تحرش رجل بامرأة.
للتحرش وجوها متعددة اخطرها على الاطلاق عنف المرأة ضد المرأة، لابد من وجود جمعيات اهلية لها وجود حقيقي فعال لتوعية المرأة بقيمتها ولتعزيز ثقتها بنفسها وحثها على الاستقلال والوقوف في وجه كل من يحاول قهرها. فهذه الانتهاكات التي تمارسها المرأة ضد نفسها تعتبر نوع من انواع الامية والجهل.
في مقال للكاتبة والناشطة مروة رخا بعنوان "انا ضد مليونية المرأة" تقول :
انا مش هتظاهر علشانك!
انتى ما تستاهليش!
حقك يا قلبى روحى خديه بنفسك!
و لما تستقلى و تبقى انسانة بتعرف تشيل مسئولية … اول حد هيحترم قراراتك و رغباتك هيبقى الراجل
و على رأى المثل الأبيح
One woman's asshole is another woman's pussy
يعنى اللى عامل عليكى سبع بيقلب قطة قدام واحدة تانية
كلام جميل بالقعل ولكنني لا استطيع استيعاب فكرة ان اتحدث الى فرد لا يعرف القراءة والكتابة واطالبه بالبحث في كتب القانون عن حقوقه المسلوية. فهن بحاجة الى المساعدة، بالتأكيد تلك الممارسات كانت نتاج اعوام كثيرة من التخلف والموروثات الثقافية والفتاوى الدينية الذكورية ونظم التعليم بمراحله المختلفة. كل ذلك شكل وعي منقوص ومشوه بحاجة الى هدم واعادة بناء. ثورتنا التي قامت بشكل اذهلتي بالفعل بعد احباطات كثيرة لا يجب ان تترفع عن محو امية نسائنا الذي بالتأكيد سيتطلب الكثير من الجهد وربما لن نرى نتائجه قريبا ولكني اصبحت متفائلة وآملة ان يختفي هذا النوع الخفي من التحرش عندما تصل ابنتي -وعمرها خمسة اشهر - لعمري الان.
No comments:
Post a Comment