Tuesday, October 22, 2013

.. الحلوات

السيدات، اللاتي يبدأن يومهن مع السًحَر. يتلمسن طريق الشرفات الخلفية لشققهن الصغيرة سيئة الحال، ويتدلن بنعومة منها بقمصان نومهن التي بلا أكمام. يفتحن أزرارها المحكمة ويستنشقن الهواء بعنف واشتياق. يسمحن له بالتدفق بين ثنيات الملابس ليلامس الجسد المحروم. يتركن شعورهن الطويلة الشاحبة تنسل من تحت قطع قماش قديمة ربما يحمله النسيم لمكان آخر أفضل. ينتظرن بزوغ شعاع شمس ليدفئهن غير مباليات بعيون الفتى الشاب الذي يختلس النظر من وراء خشب نافذته. ربما يقمن بإغراءه في متعة ليعوضن أنفسهن عن إحساس أنوثتهن المفقود. وعندما ترن منبهات البيوت وتنطلق أصواتها الكريهه بين الشرفات الخلفية، ينظرن بيأس للسماء . ويدركن أن الشمس تأخرت اليوم فيقفلن الأزرار ويحكمن القماش حول رأسهن ويخرجن منحسرات لقضاء حاجة أهل البيت. السيدات المقهورات المغصوبات، هؤلاء هن الحلوات. 

Saturday, October 19, 2013

المراكز الرئيسية للجنون: متلازمة كليرامبو

كتاب: عقول مريضة
دوي درايسما
ت: أميمة صبحي

هيستيريات، باردات جنسيا، منحرفات، منحطات

أثناء إستجواب السيدات الأربعة، وجميعهم في عقدهم الرابع، وتم حبسهن لسرقتهن الحرير. جميعن كن معتادات الإجرام، وواحدة منهن تم إحتجازها عشرات المرات، دائما بسبب سرقة الحرير. ولكن لماذا الحرير؟ السيدة الأولى (ف.ب.) البالغة من العمر 40 عام، تم إحتجازها بسجن فرين للنساء، وبقيت هناك 5 أيام.ثم تم نقلها إلى المصحة لإجراء الإستجواب. وبعد إلحاحات متكررة، ومقاطعة كلامها ببكاء وعويل، وضحت السيدة إنها تستخدم الحرير في ممارسة العادة السرية. إنها حتى لم تخبر محاميها الخاص، خوفا من إنه قد يعلن عن هذا أثناء الجلسة. السيدة الأخرى كانت تسرق الحرير لنفس السبب. فشهوة الحرير كانت قوية بشدة لدرجة شديدة الإغواء. إنهن يدخلن متجرا للأقمشة وينتزعن مادة مصنوعة من الحرير، ثوبا من الحرير أو فستانا لفتاة أو صدار – وينطلقن بداخل غرفة القياس أو المصعد، حيث يفركن الحرير بأعضائهن الخاصة حتى يصلن للذروة. هناك عدد من الملاحظات المتشابهه بين الأربع حالات. إنه عنصر الدغدغة الذي يحصلن عليه. كانت إحداهن خياطة ولديها الكثير من أثواب الحرير المتاح كما تريد ولكنها لا تستمع أبدا بالتجربة إلا بمصاحبة الشعور بالإثارة الذي ينتابها عند السرقة. تحدث العادة السرية بينما تختبر السيدات الأربع ذروة الحماسة للسرقة. بعضهن يأخذن وقتا للبحث عن زاوية هادئة بالمتجر، لكن واحدة منهن قامت بالممارسة في منتصف المتجر. وبعد الوصول لذروة النشوة الجنسية، تفقد السيدات كامل إهتمامهن بالحرير، ببساطة يقمن بإلقاءه أو إسقاطه خلف الباب. أثنتان منهن سرقتا الحرير وهما تحت تأثير الأثير. شربت واحدة الأثير وتبعته بمشروب الرم  لتُخفي رائحة الأثير، ثم إحتست نبيذ أبيض لتتخلص من رائحة الرم. للأثير تأثير تحرري، فأصبحت السيدة متيقظة، وافرة بالحياة وعدوانية، وعندما يرتفع حافز سرقة الحرير، لا يمكن منعه.

تزوجن السيدات الأربع لمرة واحدة فقط، ولكنهن الان بدون رجل. وجميعهن لم يستمتعن بالممارسة الجنسية الطبيعية. من البداية كانت (ف.ب.) تشمئز من نخر وتكشيرات زوجها. كانت تنتظر حتى يذهب لعمله في الصباح ثم تمارس العادة السرية. كان تفضيل العادة السرية عامل مشترك بينهن. حتى عندما لا يمارسوها فإنهن يشعرن بالسعادة بلمس الحرير، وتركه ينزلق من بين أصابعهن. أثنتان منهن مازلتا تشعران بالبهجة عندما تقومان بإلباس عرائسهما، وخاصة بالحرير.

ما فاجأ (كليرامبو) كان التفضيل للحرير بالتحديد. فلا واحدة من السيدات أبدت إهتمام بسيط بالأقمشة الأخرى، مثل الفرو أو القطيفة أو الفانيلي أو الساتان. بالنسبة لهن، هناك شئ مثير في لمس الحرير، وفي الصوت الذي يصدر منه. إنهن جميعا يختبرن الحفيف والخشخشة التي تصدر عنه كدغدغة قد تؤدي بهن إلى البكاء. السيدة (ف) البالغة من العمر 46 عام، إحتُجزت في أكتوبر عام 1902، وتحدثت بصراحة شديدة، وها هي شهادتها بإختصار:

  "الشعور بالحرير أفضل من النظر إليه، لكن تجعده أفضل كثيرا. إنه محفز، يمكنك الشعور بالإبتلال، لا يوجد شعور جنسي يضاهي ذلك. ولكن الأفضل من كل هذا هو عندما أسرق الحرير. فسرقته شئ شهي. ولا ينتابني ذلك الشعور إذا قمت بشرائه. أنا يائسة من مقاومة الإغواء. عندما ألمسه بيدي، أغضنه بين أصابعي ثم أجرب السعادة التي تحس أنفاسي. إنه شئ يشبه الثمالة، وأرتجف.. ليس من الخوف، إنما من فرط اللذة. بمجرد حصولي على الحرير، أُمدد ساقاي، وبذلك أستطيع أن ألمس نفسي. وهكذا رآني الناس. وعندما تنتهي اللذة، أكون مجهدة وأنفاسي متلاحقة وذراعاي وساقاي متيبسين. فسرقة الحرير هو لذتي الخاصة. حاول أطفالي أن يعالجوني بلا جدوى بشراء العديد والعديد من أثواب الحرير. إذا كنت على وشك السرقة وإبتاع أحدهم حرير لي، فهذا لن يسعدني إطلاقا. في الحقيقة، قد يُدمر هذا الفعل متعتي."

كما تحدث مع السيدة (ف) – بشكل مجهول – تحدث إلى الثلاث سيدات الآخريات، وفي تحليله تحدث (كليرامبو) مع طبيب نفسي فرنسي. وكان تشخيصه لاذع. لنبدأ بجميع السيدات اللاتي كن ‘هيستيريات’. عند هذه النقطة، لم يُنمق (كليرامبو) كلماته. لقد وضعهن بقسوة في فئة ناقصات العقل، بنظام عصبي قابل للإثارة المفرطة، خاصة تجاه إحساس اللمس. بالإضافة إلى أن جميعهن ‘باردات جنسيا’. هذه الصفة تدل على إنهن لسن مؤهلات للممارسة الجنسية (الدغدغة) الطبيعية. في رأي (كليرامبو)، فإن ممارسة العادة السرية بشكل دوري تؤكده برودهن الجنسي. أثنتان منهن تتخيلان وجود سيدات آخريات أثناء الممارسة، وهذا – بجانب تفضيل العادة السرية – كان سبب كاف للتصريح بإنهن ‘منحرفات’. ولم يكن هناك أدنى شك حول الصفة الرابعة ‘منحطات’. وقد عزز هذا الحكم خلفياتهن. فالسيدة (ف. ب.) لديها جدة ماتت مخبولة، وكذلك خالتها التي كانت تمارس العادة السرية.

وكان والدها وأخيها، المتوفيان، كانا ‘شديدا العصبية’. وأبن أخيها الذي يبلغ من العمر 18 عام كان كذلك يمارس العادة السرية. وعندما إستدعى (كليرامبو) الزوج السابق للسيدة (ب) ليستجوبه، كانت نظرة واحدة كافية: كان الرجل دليل حي على ‘الجاذبية المشتركة للإنحطاط’. وكان للسيدات الآخريات تاريخ عائلي فاسد. كانت مناقشاته الدورية قاسية وحاسمة. والجزء الأهم، هو الهيستيريا والبرود الجنسي والإنحراف والإنحطاط  تم تعريفهم في كل المصطلحات الأخرى. فالعادة السرية تُشير إلى البرود الجنسي والإنحراف وكلاهما شذوذ يدلا معا على الإنحطاط. وبالرغم من أن (كليرامبو) ربما يعتبر السيدات مريضات نفسيا – إنه دائما يشير إليهم بوصفهن مريضات – إلا أنه لم يجد ظروف مخففة في حالتهن المرضية. لا يوجد أي مؤشرات جعلته يحاول أن يمنع وصولهن للسجن. وعلى النقيض: الإنطباع المأخوذ إنه يعتبرهم مرضيات ومنحرفات، بجانب اضطرابهن الميئوس منه، مع الشذوذ الممتد جذوره في المصير الجيني الذي لا مفر منه. عند حبس السيدة (ف. ب.) مدة 26 شهر بتهمة السرقة، دون (كليرامبو) حكم المحكمة بدون إبداء أي رأي حوله. حقيقة أن بعض السيدات خائفات أن يتم ترحيلهن لحبس جزائي جعله يرسل تحذير شديد اللهجة لزملائه ليكثفوا من حمايتهم للمتمارضين. كما إنه لاحظ ان هؤلاء السيدات ‘فاقدات للحس الأخلاقي’. حقيقة أن إنهن تحدثن بصراحة شديدة حول أدق تفاصيل حياتهن الجنسية تدل على ذلك.

هل ممكن لشهوة الحرير أن تنتقل ل(كليرامبو) نفسه؟ في عام 1919، العام الذي كتب فيه عن سارقات الحرير للمرة الثانية، كشف عن عشق للملابس والبراقع الشرقية وذلك خلال مكوثه في تونس. أثناء الحرب العالمية الأولى، تطوع لعمل جولة عسكرية في المغرب، كانت حينذاك تحت الحكم الفرنسي، ووقع في حب البلد. أصبح طليق اللسان في اللغة العربية وعاد إلى هناك بعد الحرب ليصور الملابس المغربية. المجموعة التي قام بتصويرها كانت واسعة النطاق بشكل تدريجي – حوالي 4000 صورة مبتذلة في مضمونها – وأخذت شكل الجذب من طرف واحد: فلا وجود للمناظر طبيعية أو مدن أو أي مظاهر إنسانية، فقط مجموع أبدية من رجال وسيدات وأطفال مرتدين براقع. تلك الصور السرية لم تُعرض قط أثناء حياة (كليرامبو)، ولم يُشير إليها قط خلال سلسلة محاضراته حول ثنيات القماش التي أعطاها في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة إبان العشرينات. بعد وفاته، ظهرت مجموعة أخرى إكتشفها أحد اصدقاؤه وهو يقوم بتنظيف منزله. لقد بدا أن (كليرامبو) كان متيم بالأقمشة النادرة: كان في منزله أثواب وأثواب من الفرو والحرير والقطيفة والساتان والتفتة والترلاتان والقطن. كما وُجد تماثيل عرض الملابس التي كان يضع فوقها القماش. ليس هناك شك أن (كليرامبو) كان أيضا يستمد سعادته من شعوره بالقماش ينزلق من بين أصابعه.