Friday, June 14, 2013

كابوسيات

أجلس كل يوم لساعات طويلة أمام شاشة اللاب في إنتظار أن يخرج من الشاشة وحش ما وُلد وترعرع في فضاء الشبكة العنكبوتية ثم فجأة جاع وبدأ ينتقي طعامه بعناية. أو ربما يهاجمني عنكبوت هارب من شبكته، عنكبوت ضخم، فأموت رعبا قبل أن يصل إلى. الأكثر كابوسية من ذلك هو أن، سواء الوحش أو العنكبوت، سيهاجموا وجهي أو صدري. وهذا ما لا يمكنني إحتماله.
من الأفضل إذاً أن أنتظر إنفجار اللاب أو عقلي، أيهما أقرب إلى نفاذ الصير والتعب. لدقائق أتخيل أن عيني هي التي ستبدأ ذلك الإنهيار الوشيك. فأنا لا أنام وفقط أنتظر.

قد تُفكر أني دونك أحيا، أعمل، أُبدد الأموال هنا وهناك، أرتاح قليلا على كنبتي الزرقاء بين الراحة والراحة. ربما أيضا أملأ البانيو وأسبح داخله في عقلي. قد تُفكر أني مجنونة أنزل ليلا أبحث عن الكلاب التي احبها واجري بينها في شوارع تزداد رحابة بالليل وربما أنبح معهم أيضا وأُضايق السيارات العابرة بسرعة. قد تُفكر أني أجلس داخل الفرن في الليالي الباردة وأُعلق روحي على حبل الغسيل في الليالي الحارة. قد أرقص على موسيقى لا تحبها، قد أصنع طعاما وأخفيه عنك، قد أطل من النافذة عارية وأترك شمس الضحى تغسل جسدي المرهق.

أنا فقط مُتعبة. لا أفعل شيئا سوى التعب والإنتظار. الأموال في الدرج والشيكولاتة تملأ البراد واللاب فوق قدمي المغطاة بشعر كثيف، كل ما أرجوه أن يهاجم، الوحش او العنكبوت، ذلك الشعر المقزز ويسحبني منه إلى رحابة حياته الإفتراضية لأبقى خلف الشاشة ولكن من الناحية المقابلة.

Sunday, June 2, 2013

كنبة زرقاء تُحلّق من النافذة

إنتابتني ملل مفاجئ وأنا أبحث عن علبة الذرة المسلوقة، أنا أصلا لا أحبها كثيرا فلماذا كل هذا الجهد في البحث عنها!. تأكدت من وجود كل شئ في مكانه، لا شئ ينقصني سوى تلك العلبة اللعينة، ولكني لن اتوقف عندها أكثر من ذلك.
الُلب الأبيض والسوبر والفزدق في الطبق الأحمر كما هم منذ أمس وبجانبهم كتاب شعر أستمتع فقط بوجوده جانبي، أقرأ كل يوم إلى منتصف القصيدة، إلى أن أشعر بذوباني في متعة الشعر، فأخاف أن أفقد الإحساس به فأتركه.أنه شئ مثل تأخير المتعة حتى النهاية، نهاية اليوم، الأسبوع، العمل، العمر، لا يهم، الأهم هنا أني أعرف أن هناك متعة ما في إنتظاري وهذا بمفرده يجعلني مرتاحة.
اللاب أيضا في مكانه والسوند كلاود على مصرعيه، أختار ما يناسب مزاجي اليوم وأضع الهاند فري في أذني.. وأنفصل. وضعت زجاجة مياه كبيرة وعلبة شيكولاتة باهظة الثمن اتعامل معها مثل تلك القصيدة. سكنت لحظة لأفكر: ماذا أحتاج أيضا للطيران؟.. ربما وسادة صغيرة وغطاء خفيف تحسبا أن يكون الجو بارد في الأعلى.
لم أنس عالية بالطبع، ولكني لم أحب فكرة المخاطرة كثيرا وهي معي. الخوف يُولد لحظة ميلاد طفلك، يستقبله الطبيب أولا ويضعه فوق قلبك ثم يستقبل الطفل ويضعه بجانبك، الخوف دائما أقرب إليك من أطفالك لذلك لم أضمها لأشيائي فوق الكنبة الزرقاء.
الكنبة كبيرة، أجلس فوقها كل ليلة وأغوي الليل. ماذا قد يحتاج ليل أسود وحيد غير ما لدي ليستجيب ويتسامر معي؟ لا اكره الآذان أبدا، ولكني أكره صوته القبيح. ألا يدرك المؤذن على يسار منزلي أن صوته مزعج؟، وذاك على اليمين، ألا يعرف أن صوته يمنعني من الصلاة لسخطي عليه؟
الحائط المقابل للكنبة، لصقت فوقه صور كثيرة تَطُل وتُشرف على الحجرة وتسليني بينما أشحذ الأفكار، حفظت كل أركان إبتسامتي وأعرف إنها حلوة ولكني زهقانة قليلا وأريد أن أكف عن الإبتسام أمام الكاميرات. وهنا اواجه مشكلة أخرى تزعجني: أن بروز عيني يبدو واضحا عندما أكشر، فاعاود الإبتسام مجبورة. كل هذا ليس مهما الآن، ما يهم حقا هو أني قررت الليلة الطيران.
فتحت أبواب النافذة الكبيرة جدا المغلقة دوما. التي إذا أنفتحت دخلت الشمس والهواء و.. عيون الجيران.
إنها الخصوصية يا عزيزي، بالطبع، أُومال؟ 
لا يمكن لشَعّرك الساكن أن يطير ولا لجلد أذرعك أن يلمع تحت الشمس. لا مكان لهذا هنا، فالشارع واسع وسع الدنيا ولكن كل النوافذ تطل عليه.. كل الأعين تنتظر لترى ما يخصه ’هو‘ وحده!
كأمرأة/ زوجة/ أم تعيش بمفردها تغتالها الأنفس في كل لفتة، سأطير ليلا وأعود ليلا قبل حتى أن يفكروا فيما سيتفوهوه.
لم يقل لي النجار أن الكنبة الزرقاء في إستطاعتها الطيران، ولكني حدثتها كثيرا عن ماهيته، أخبرتها عن السعادة التي تنتاب كنبة عجوز ضخمة إذا حلقت من نافذة. الكنبة صموت كالعادة ولكنها هزت لي مسنديها مرتين، فعرفت إنها موافقة.
وضعت تحت وسائدها خريطة كبيرة لكل مكان وطلبت منها بهمس أن تفاجئني بشرط، أن نعود قبل الشمس.

جلست وتشبثت بإحكام، اهتزت الكنبة بعنف وتقلصت كثيرا حتى أن الطبق الأحمر وقع وتبعثر اللب والفزدق في كل مكان
 لست نادمة! بوسعي أن أستخدم المكنسة الحديثة جدا عندما أعود. أو ترك النافذة مفتوحة قليلا فيدخل طائر ما ليجد رزقه بجانب الكنبة.
وانطلقنا في الهواء. جارة سمينة كانت في شرفتها، لمحتني كما لمحتني قبل ذلك أُحادث صديق وتساءلت بداخلها عن من يكون، فرفعت لها إصبعي الأوسط من بعيد ولكنها لم تر، لأن طبيب عيون ما قال لها أن عينيها لستا على ما يرام.
نظرت لها من فوق الكنبة المحلقة، وقلت بصوت عال ملأ الشارع بأكمله: 
نعم، أنا أخرج من نافذتي ليلا، سرا، حتى أهرب من دواخلكم السوداء، أيها الحمقى الأغبياء المزعجون.

ربت على الكنبة بلطف وهمست لها: 
سنعود عند  العصر، عندما توشك الشمس على الخروج من عنق السماء